ثقافة

في ندوة عن كتاب “مخوليات” دبابيس واخزة وأشواك حادة

يعترف الفنان موفق مخول بعد أن قامت دار ألف نون بتجميع كتاباته الفيسبوكية ضمن كتاب قامت بطباعته مؤخراً تحت عنوان “مخوليات” أنه لم يتوقع أنه سيحظى بكل هذا الاهتمام والمتابعة، وكان آخرها الندوة التي دعت إليها الدار عبر صاحبها بديع جحجاح في ثقافي أبي رمانة لمناقشة هذه الكتابات كنوع من أنواع التكريم لمخول بمشاركته والشاعرين أوس الأسعد ومنذر زريق والزميل الصحفي تمام بركات.
وأشار مخول إلى أن “مخوليات” عبارة عن ابتسامة اقتنصها في ظل أوجاعنا وأحزاننا وأفراحنا وآلامنا التي نعيشها منذ 7 سنوات، حيث كان من الواجب برأيه في ظل ما نمر به أن يقول كلمته عبر النكتة والابتسامة، فمن خلالهما يمكن الوصول للناس الذين هم اليوم بحاجة لكلمات بسيطة دون تعقيد، خاصة وأن الأدب اليوم أصبح وليد اللحظة الإنسانية التي يعيشها الإنسان العادي، ولا ينكر أن الفيسبوك كان له الفضل في أن تصل كلماته لعدد كبير من الناس وكان وسيلة ناجحة في خلق حوار بينه وبين القراء، ويعترف أنه لم يتوقع كل ردود الأفعال هذه على الكتابات البعيدة عن الثقافات الجامدة والتقليدية التي لم يعد الناس يصدقونها، شاكراً دار ألف نون على نشرها لكتاباته ضمن هذا كتاب.

صانع البسمة
ولم يستغرب الفنان بديع جحجاح من الضجة التي أثارها الكتاب وأكد أن موفق مخول كان وما زال صانع البسمة في زمن أكثر ما نحتاجه فيه اليوم هو الابتسامة، وقد نجح عبر مخولياته في رسم الابتسامة واستمالة القارئ لبساطة ما كتبه، ولعفويته التي تجعله يكتب بتدفق ودون توقف، متحررا في كتاباته من القواعد والنظم التي ملّ منها القارئ، متحدثاً فيها عن الأمل والحلم والمحبة، وهي توثق لكل الهواجس التي مر بها الإنسان السوري خلال الحرب، لذلك تبنت دار ألف نون هذا الكتاب، مؤكداً أن أبوابها مفتوحة لأي منتَج نوعي يملك ملامح الاستدامة.

تجلّيات جحا العصريّة
وفي مداخلته تساءل الشاعر أوس الأسعد: كيف لفنان تشكيلي فضاؤه اللون وملعبه الضوء والظلال أن يكتب كلمات مليئة بالسخرية المرّة من الواقع ويضمنها بين دفتيّ كتاب؟ أهو أديب ساخر إذن؟ ويجيب: لا عجب في ذلك طالما تواطأ هو والشاعر على فعل ذلك، فهو بالأساس كان يخطّ ويسطّر شغفه باللون، والآن استبدله بالقلم بدل الريشة فالتقى الاثنان في ملعب خلق الجمال والمفارقة، حيث الشعر والأدب الساخر ينضويان تحت قوس المفارقة والدهشة، وفضّ العتمات وارتياد الأرض البور، ومخول في كتاباته وكفنان لم يوجّه بندقية اتجاه أحد بل وجّه ريشته ولوحاته وشذراته الموجعة دبابيس واخزة وأشواكاً حادة فقط، نحو مَواطن الفساد والتردّي القيمي في كل شيء كناطق بلسان الفئة الصامتة لا تهادن بموضوع الوطن، وقد اختار محاوراً يساعده في إدارة أفكاره وتقليبها ذات اليمين وذات الشمال، هو من أرقّ الكائنات هشاشة وجمالاً وهو العصفور الذي يناقشه في همومه اليومية، مقارعاً القبح بالجمال، والحزن بالفرح، وهدفه إشاعة الحب.
وختم الأسعد مداخلته بالتأكيد على أن الفنان أو الأديب ما هو سوى وسيلة للتعبير عن الوعي الجمعي الساخر، وهو أحد تجلّيات جحا العصريّة، وأن فن السخرية يُعتَبَر من أصعب أنواع الفنون، وأنه ليس هناك زمن لم تعش فيه النكتة والأدب الساخر فضحاً للجوانب السياسية أو الاجتماعية أو الأعراف المقدسة، فالنكتة الأدبية والشعبية ترجع إلى أصول نفسية واحدة وتعكس جوهر ثقافات الشعوب واختلافاتها وتشابهاتها.

بطل حقيقي
وبدأ الشاعر منذر زريق مداخلته قائلاً: ستنتهي السنوات العجاف، وقريباً ستشرق الشمس وستزهر قطرات الدم والعرق والحبر واللون التي سالت من الطيبين، ومعاناة البسطاء وفكر كل مؤمن بهذه الأرض وهذا الوطن ومنهم الفنان موفق مخول، معبِّراً زريق عن سعادته بتكريم مخول عبر هذه الندوة عن كتابه لأنه بطل حقيقي يشبه البسطاء ويقوم بأبسط الأشياء وأجملها وكأنه يتناول وجبة في دمشق القديمة.
وقرأ زريق قصيدتين أمام الحاضرين قدمهما إهداء لمخول ملخصاً فيهما قصة مخول مع كتابه “مخوليات”.
في حين أوضح الصحفي تمام علي بركات أن نصوص “مخوليات” نجت من كونها توثيقاً يومياً حرفياً للواقع السوري الراهن، لأنها كانت توثيقاً بوحي فني بقدر ما هي صراخ أيضاً، كتبها مخول بلا حواجز أو فواصل لغوية أو رمزية، فكانت عفوية وبسيطة، وهي تجربة تستحق الاهتمام، وأشار بركات إلى أن نصوص “مخوليات” تتحدث عن الحياة في الحرب، وعن العلاقات الاجتماعية التي تبدلت، والنفاق الاجتماعي والسياسي الذي صار وكأنه من يومياتنا، والجميل في كتاباته برأيه أنها تقوم على محاورة بين عصفور وفنان تشكيلي، فكلٌ يرى العالم من مستواه وتفكيره وثقافته، لكنهما محاوِران محبّان، لا يدخل الخلاف بينهما مهما اشتدت ضراوة الحديث.
وعلى هامش الندوة أشار الفنان محمد غنوم إلى أن علاقة قديمة تربطه بالفنان موفق مخول وكان من المتابعين لرسوماته الكاريكاتورية في فترة سابقة، لذلك فإن كتاباته الساخرة ليست شيئاً جديداً، وجذورها امتداد لروحه المرحة التي عُرِف بها والتي عبَّر عنها بدايةً عبر الرسم الكاريكاتيري، واليوم عبر كتاباته الساخرة التي كتبها كرجل اجتماعي يحب مخالطة البشر، وهو المعروف بتواضعه الشديد وشخصيته المحببة وإيمانه الدائم بأن الحب والمحبة فيهما خلاصنا، لذلك لم يتفاجأ غنوم من كتاباته تحت عنوان “مخوليات” لأنها جزء من شخصيته وطاقته الإيجابية.. من هنا جاءت هذه الكتابات قريبة من الناس وحياتهم البسيطة كبساطته، وأكد غنوم أن مخول ما زال لديه الكثير ليقوله سواء عبر ريشته أو قلمه.
أمينة عباس