اختتام فعاليات اجتماع المكتب الدائم لاتحاد الكتاب والأدباء العرب بدمشق ثلاثة بيانات: القدس لاتختصر القضية الفلسطينية والثقافة العربية لابد أن تخرج من النخبوية
وجه اجتماع دمشق للمكتب الدائم لاتحاد الكتاب والأدباء العرب عبر مؤتمره الذي امتد على ثلاثة أيام رسالة في معنى الإيمان بالحرية والتعددية والديمقراطية بمعناها الحقيقي، حيث اختتم جلساته بإقرار ثلاثة بيانات أولها بيان القدس الذي قرأه د.علاء عبد الهادي رئيس النقابة لاتحاد كتاب مصر جاء فيه:
يؤكد الاتحاد العام للأدباء والكتاب كل ماجاء في بياناته السابقة بشأن عروبة القدس، وماجاء تفصيلاً في بيانات الاتحاد والروابط والجمعيات والأسر والمجالس العربية في الشأن نفسه، ويدين بأشد عبارات الإدانة قرار الإدارة الأمريكية بخصوص القدس العربية، ويؤكد أنه جاء مخالفاً للمواثيق والأعراف الدولية كافة، كما يرفض الاتحاد العام مواقف الدول التي أيدت هذا القرار والدول التي امتنعت عن التصويت لحق الشعب العربي الفلسطيني في أرضه رغم وضوح هذا الحق وثباته.
ويرى الاتحاد العام أن اختصار القضية الفلسطينية في القدس يقوم على رؤية مخلة لحقوق هذا الشعب البطل، ومناقضة للضمير الوطني، ذلك لأن القضية الفلسطينية أكبر من القدس، ومن أية صراعات جزئية على مقدسات أو عواصم.
ويعلن الاتحاد العام أن قرار الإدارة الأمريكية لم يأت بالنسبة إلى الأدباء والكتاب العرب مخيباً للتوقعات، فهو ليس وليد لحظة زيف في موقف الرئيس الأمريكي أو خطأ في السياسة الأمريكية، لكنه إعلان يمثل رأي الإدارة الأمريكية الثابت والمنحاز للكيان التوسعي العنصري “إسرائيل”. إن هذا القرار الشائه في هذه اللحظة التاريخية شديدة التعقيد لا يأتي بريئاً من دعمه للإرهاب.
كما أعلن الاتحاد العام أنه سينطلق إلى إجراءات عملية وهي: رفع العلم الفلسطيني بجوار علم كل اتحاد قطري فإن سقط بقرار ظالم في عاصمة فلسطين القدس فإنه يرتفع في كل العواصم العربية، وطبع الكتاب الأسود باللغات العالمية عن الجرائم التي قام بها العدو الصهيوني في فلسطين والدول العربية بالبيانات والصور في نسخ مرقمة ترسل إلى الهيئات الثقافية الدولية، ووضع صورة المسجد الأقصى وشعار فلسطين عربية على كل مراسلات الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب وعلى كل أوراق الاتحادات والروابط والأسر والجمعيات العربية، وإقامة مسابقة أدبية في كل اتحاد قطري باسم “القدس” مع طبع الأعمال الفائزة من خلال سلسلة عربية تسمى “سلسلة فلسطين عربية”، ودعوة الكتاب والمبدعين العرب إلى تدوين ذاكرة القدس وإرثها لمواجهة الروايات الصهيونية المضللة ولمحاصرة عمليات التهويد التي تستهدف هدم الوعي العربي بقضيته المركزية “القدس”، والتوصية من خلال الأمين العام والاتحادت القطرية لوزراء الثقافة العرب بطابع بريدي عليها خريطة فلسطين وصورة القدس، وطبع كتيب يعمم على الاتحادات القطرية بالشركات الإسرائيلية والأوروبية المتعاونة مع دعم آليات مقاومة البضائع الأمريكية والإسرائيلية في الأقطار العربية.
البيان الثَّقافيُّ
وتبع بيان القدس البيان الثقافي الذي تلاه د.جبار الكواز رئيس الوفد العراقي لاجتماع دمشق، حيث قال: إن المشروع الثقافي العربي يمر بمأزق شديد الحرج فهو يحاول النهوض بأمة لا مشروع نهضة لديها، ولا وحدة تجمعها، وبلا ديمقراطية تسند عثرتها، وأوطان غارقة في الديون وتهز أركانها الفوضى، ثقافة مشظاة اختلط فيها القديم بالحديث بلا تمحيص، حيث نمت الرجعية في ظل الحداثة، واستأنس العقل التكفيري أعلى منتجات التكنولوجيا الذكية، وعزلت الثقافة بعيداً عن الخطط التنموية للدول إن وجدت. من هنا فإننا نرى أن المشروع الثقافي العربي العقلاني المنفتح على متغيرات الحياة الإنسانية ومستجدات العلم والتكنولوجيا ينبغي أن يمحص هذا المزيج العكر من حولنا والتصدي له بالنقد والمقارعة، وصولاً إلى عزل المتخلفين عن ركب الحضارة الإنسانية فكرياً وتنظيمياً.
وللخروج من أزمتنا ومأزقنا التاريخي، لا مناص من خروج الثقافة العربية من عزلتها النخبوية إلى تغلغل ثقافي نقدي وإبداعي وفني، يمد غصونه وثماره في أوصال المجتمع ليصبح هو التيار المؤثر في الأجيال الشابة، مستثمراً الطفرة التكنولوجية التي وسعت دائرة التواصل والتفاعل مع وبين فئات المجتمع كافة، وصولاً إلى التأثير التراكمي على المنظومة المعرفية والسلوكية والأخلاقية ومناهج التفكير ومنظومة القيم التي تؤهل شبابنا ليشاركوا بمستقبل الإنسانية وتطور البشرية. وفي هذا الظرف التاريخي الفاصل من حياة أمتنا على المثقَّفين والمبدعين والفنانين أن يضيئوا كل ما أَصبح مُظلماً نتيجة لغياب الكثيرين منهم اختيارياً، أَو قسريَّاً، ما ترك الساحة للعابثين، والمدعين الذين شوهوا الكثير من الوعي، وحرفوه عن مساراته، فخلقوا بذلك هذه الفوضى كلها، وهذا الموت، وتقديم خطاب ثقافي تقدمي تنويري يستلهم روح العصر مستفيداً من وسائل التواصل الالكترونية الحديثة، متنبهاً لأهمية تأثير التكنولوجيا الذكية في حياة الأجيال الشابة من أجل تعميم ثقافة النقد والنقد الذاتي والقبول بالتنوع والتعددية وتوظيفها في خدمة الوعي التقدمي المعاصر من أجل ثقافة عربية تكون قادرة على رؤية المستقبل والاستعداد لنكون جزءاً من هذا العالم ومتغيراته المتسارعة. إننا نؤكد من خلال هذا الاجتماع الدوري على ضرورة إعادة إبرة بوصلة الثقافة العربية إلى اتِّجاهها الطَّبيعيِّ وهو ثقافة مقاومة الاحتلال الصهيوني لفلسطين، بكل تراكماتها، وفعلها، وبهذه المناسبة نؤكد على أن مدينة القدس هي العاصمة الموحدة لفلسطين الموحدة، ولا يمكن أن تكون إلا كذلك.
بيان الحريات
وألقى بيان الحريات د.الفاتح حمدتو رئيس الوفد السوداني جاء فيه:
إن ما ينبغي أن تطالب به ونعمل لأجله في ظل الظروف التي تشهدها دولٌ عربية عديدة تعاني من شبح التطرف والإرهاب والجماعات التكفيرية المسلحة هو الحريات، لأن أكثر من يدفع الثمن هو هذا المواطن العربي الذي يأمل في الحياة الكريمة في ظل حرية الفكر والإبداع، وبما أن حرية الفرد ترقى إلى درجة القداسة ولا يجوز المساس بها مطلقاً مهما كانت المسوغات، فإن حال الحريات في الوطن العربي تشوبه كثير من السلبيات، وهذا الإرهاب الفكري الجاثم فوق صدورنا أشد ضراوة من الإرهاب الجسدي ويعيدنا إلى عهود الظلام والجهل والعبودية.
ومن خلال التقارير الواردة إلينا نرى أنه قد سُجلت العديد من معوقات حرية الإبداع نجملها في الآتي: استمرار إصدار القوانين التي تلزم الكاتب أو الناشر بعرف منتجه على الرقابة القبلية، وملاحقة المدونين على صفحات التواصل الاجتماعي واعتقال بعضهم لاختلاف في الرأي، إلا مَن تعرّض منهم بسبب قانوني، وممارسة الإرهاب بأنواعه من الجماعات التكفيرية والإرهابية والمسلحة على الآمنين من المدنيين، وتراجع منسوب الحريات الإعلامية والاجتماعية وإيقاف عدد من الأدباء والكتّاب بقضايا تصنف ضمن حرية الرأي والتعبير.
وتأسيساً على ما سبق: نؤكد حق الإنسان الكامل بفعل ما يريد أو يقول طالما أنه لا يعتدي على حريات الآخرين، كما ينبغي أن يكون النقد أمراً طبيعياً، إذ من دون حرية الانتقاد وضمانها لا يكون هناك تقدم ولا تطور ولا إصلاح، وأنه من الواجب دفع مجتمعاتنا إلى حسن استخدام ثقافة الحرية إذ أنه لا يمكن أن نفصل ثقافة الحرية عن حرية الثقافة. وفي الختام تم توزيع شهادات تقدير ومشاركة لرؤوساء الوفود العربية.
علا أحمد- جمان بركات