السيمفونية الوطنية في يوبيلها الفضي رسالة وفاء وتصميم على الاستمرار
تميّزت الأمسية التي أحيتها الفرقة السيمفونية الوطنية السورية في دار الأوبرا احتفاء بمرور 25عاماً على تأسيسها بالمشهدية البصرية التي اختزلت مسيرة الفرقة منذ بدايتها حتى الآن من خلال فيديوهات ومقاطع من الأمسيات ولقاءات تسجيلية، لكن الأهم هو التوقف عند الحدث الكبير وهو استمرار الفرقة في سنوات الحرب رغم الحرب الإرهابية ورغم سفر بعض الموسيقيين، وانطلاقتها بتصميم أقوى واقترابها أكثر من المجتمع.
تكاملت الصورة البصرية مع البرنامج الرائع الذي اختاره المايسترو ميساك باغبودريان لمقطوعات عزفتها الفرقة بقيادة صلحي الوادي، وبعزف مقطوعات من أعماله بأداء لافت وبزخم موسيقي ومستويات موسيقية متوازية ومتدرجة وبمتتاليات إيقاعية وأجواء حماسية أذهلت الحاضرين، لتؤكد الفرقة بجميع أعضائها مع قائدها باغبودريان بأنها تستحق أن تكون وجهاً من وجوه سورية الحضارية والثقافية والاجتماعية.
ورغم فرحة النجاح والاحتفال بمرور ربع قرن على المسيرة الموسيقية لها إلا أن باغبودريان قدم مفاجأة باشتراك جوان قرة جولي وفؤاد شلغين وعدنان فتح الله ونزيه الأسعد بالعزف المنفرد في المقطوعة الأولى، لتبقى نغمات آلة الأجراس الرقيقة رغم صغر مساحة دورها الذي اقتصر على بعض المواضع رسالة رمزية من الفرقة تترجم التمسك بإرادة الحياة ومواجهة القتل.
تاريخ السيمفونية
وقد تخللت المقطوعات المعزوفة الفيديوهات التوثيقية التي عُرضت منذ ظهور الفرقة الكبيرة في قصر المؤتمرات ليمثل حضور الحفلات طقساً ثقافياً واجتماعياً على أعلى مستوى لجمهور دمشق وبقية المحافظات، وتتالت المشاهد لمشاركة الفرقة في المهرجانات الدولية العربية والأجنبية بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، لتتوقف المشاهد عند ظاهرة التبادل بين الخبراء وإحياء حفلات مشتركة مع عدة أوركسترات، كما عرضت مشاهد مطوّلة لأول أوبرا بعد سنتين من تأسيس الفرقة عام 1995، بالتعاون مع المركز الثقافي البريطاني أوبرا (دايدو وإينياس) إذ شارك فيها أيضاً الممثلون المسرحيون وراقصو البالية في مدرسة الباليه، بمشاركة الخبرات الوطنية للسينوغرافيا، كما عرضت الفيديوهات أيضاً مسيرة الفرقة باستضافة العديد من قادة الأوركسترا إما بقيادة الفرقة أو بورشات العمل، منهم نوري رحيباني ورعد خلف وميساك باغبودريان وأندريه المعلولي وأرمينوهي سيمونيان من سورية، ومن دول عربية وأجنبية منهم، هاورد وليامز بريطانيا.
ولم تغفل الفيديوهات المختارة بعناية ودقة متسلسلة اللحظة المؤثرة بسقوط صلحي الوادي على المسرح في قصر المؤتمرات للكونشيرتو رقم 3 لبيتهوفن، في 26نيسان عام 2002.
كما توقفت الفيديوهات عند نشاطات الفرقة في سنوات الحرب وقربها من المجتمع بتنظيم مبادرة اكتشف سورية بتعليم الأطفال في مراكز الإيواء الموسيقا والتخفيف من آلامهم، وتقديم عدة أمسيات لمساعدة المتضررين من الحرب بعنوان “من أجل شتاء دافئ”. ومن أهم الأمسيات التي قدمتها الفرقة كانت مشاركتها في فعالية”تدمر بوابة الشمس”.
وتميزت المقطوعة الأولى “إنترميتزو من أوبرا –غوياسكاس”للمؤلف إنريك غرانادوش، توزيع صلحي الوادي التي بدأت بحضور مستويات موسيقية للنحاسيات والوتريات بمشاركة جوان قره جولي وفؤاد شلغين وعدنان فتح الله ونزيه أسعد بالعزف المنفرد على العود، لتنتقل الفرقة إلى افتتاحية “إيغمونت” لبيتهوفن والتي تميزت بشفافية الألحان للوتريات وآلات النفخ الخشبية وصولاً إلى مشهدية موسيقية متكاملة. المنعطف الهام في الأمسية كان بأحد مؤلفات صلحي الوادي تأملات على لحن لمحمد عبد الوهاب”حياتي أنت” التي اتسمت بنغم موسيقي حزين تكامل مع العزف المنفرد على التشيللو للعازف محمد نامق، وعبّرت نغمات الآلة الإيقاعية اللحنية على جمالية التصوير الدرامي الموسيقي مع نغمات الهارب والعزف المنفرد للتشيللو ومع آلات الفرقة ومن ثم القفلة الهادئة.
نغمات الأجراس
افتتاحية 1812لتشايكوفسكي كانت علامة فارقة في الأمسية إذ أظهرت مهارة العازفين وقدرتهم على التواصل السريع ضمن إطار التكثيف الموسيقي في مواضع وبزخم موسيقي قوي، لتشكل الفرقة مشهدية موسيقية حماسية أشبه بملحمة بحضور قوي للنحاسيات وضربات التيمباني بمستويات متعددة بما يشبه المارش العسكري، مع التلون الموسيقي بحضور نغمات الأجراس التي ترمز إلى الحياة لتتقابل مع مستوى وتري ونغمات المؤثرات الإيقاعية والتكثيف الوتري مع نغمات آلات النفخ الخشبية وصولاً إلى اشتراك جميع الآلات بمتتالية إيقاعية عالية للتيمباني والطبول والصنجات والنحاسيات بقفلة رائعة أذهلت الحاضرين، لتنتهي الأمسية بمساحة من الحلم لفالس الورود من بالية كسارة البندق لتشايكوفسكي، ومن ثم النشيد العربي السوري بتوزيع أوركسترالي.
ملده شويكاني