ثقافة

جوان قرة جولي يوظّف الموسيقا بحالات إنسانية

“الموسيقا تلغي الإحساس بالزمن” انطلق د. جوان قره جولي من مقولة الفارابي ليقدم إبداعاً جديداً في عالم الموسيقا، ويعزز دورها الثقافي والاجتماعي بإضافة بعدها العلاجي، والذي يعود إلى عهد الفارابي، وذلك في المحاضرة التي ألقاها بعنوان” الموسيقا ثقافة وعلاج” في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة- وقد اعتمدت المحاضرة على الشرح النظري والتطبيق العملي على الحاضرين، لما يشبه جلسة الاسترخاء الموسيقي التي تستخدم في علاج الكثير من الأمراض ذات المنشأ العصبي، لكن الأمر الذي أثار إعجاب الحاضرين وتساؤلاتهم هو الفيديو الذي عرضه قره جولي لفتاة صغيرة مصابة بقصور دماغي تفاعلت مع العلاج الموسيقي.
بدأ قرة جولي حديثه من الإقبال الكبير لجمهور دمشق على أمسيات الأوبرا، ليس من أجل الشغف بالثقافة الموسيقية والاستمتاع بفنّ الإصغاء والمتعة فقط، فكثير من الذين يتابعون أمسيات الأوبرا يأتون للعلاج دون أن يعرفوا ذلك، مشيراً إلى تباين ردود أفعالهم تجاه الإصغاء إلى الموسيقا، التي عرفها بأنها صوت موجود في البيئة المحيطة بنا سواء أكان قبيحاً أم جميلاً، ليطرح تساؤلاً هل نستطيع تحويل الصوت القبيح إلى صوت جميل، مستشهداً بمثال لمجموعة أطفال لايتجاوزون خمس سنوات حوّلوا أصوات القذائف والرصاص إلى إيقاع موسيقي بالتصفيق، وأشار إلى أهمية الموسيقا في حياتنا اليومية في ارتباطها بالتفاصيل الصغيرة، فمن خلالها يتلاشى الإحساس بالضجر والتوتر وتنقلنا إلى مناخ نفسي آخر، ليتابع عن أهميتها في التخفيف من الشدات النفسية مستضيفاً السيدة (أم جوليا) التي كانت تعاني من توتر نفسي وخوف نتيجة حملها بعد أربعة عشر عاماً من حملها الأول، فتحدثت عن تجربتها بالعلاج من خلال الموسيقا مع د. قره جولي الذي مكّنها من الخروج من هذه الحالة، وتابعت العلاج مع ابنتها الرضيعة في استماعها إلى أنواع معينة من الموسيقا الهادئة والأغنيات التعليمية، ليشرح قره جولي تفاعل جوليا مع الموسيقا التي ستكون أداة تعليمية تجعلها متفوقة في المدرسة.
وتحدث عن خطة العلاج الموسيقي التي تبنى على موافقة الشخص المريض وعلى طبيعة نوع الموسيقا مركزاً على ردة فعل المريض، وعلى أن الموسيقا الآلية فقط هي التي تستخدم في العلاج بعيداً عن الموسيقا المغناة، فالشخص الذي يصغي إلى الموسيقا الشرقية لايستفيد من العلاج بالموسيقا الكلاسيكية وبالعكس، وأكد أن العلاج بالموسيقا يكون أشبه بخط ثان فبعد أن ينفي الطبيب الإصابة بمرض عضوي وتبقى المشكلة، يلجأ المريض إلى العلاج بالموسيقا الذي يخضع إلى خطة متسلسلة حسب درجة المرض، وهناك حالات شفيت من الأمراض مثل التهاب الأعصاب والقلق والاكتئاب والتخفيف من درجة بعض الأمراض مثل التوحد والمصابين بمتلازمة داون.

إبداع موسيقي جديد
وختم قره جولي محاضرته بعرض فيديو لحالة مرضية معقدة آلمت الحاضرين لاسيما المقطع الذي أصيبت به الفتاة بما يشبه الهستيريا من شدة انفعالها وبكائها من الموسيقا، التي أخرجت من داخلها شيئاً من معاناة فتاة صغيرة مصابة بقصور بعمل الدماغ الذي لايعمل إلا 10% فقط، وفاقدة البصر ولا تتكلم وتمشي بصعوبة، تسمع فقط، وتحدث قره جولي عن العلاج الذي خضعت له بتعاون أفراد أسرتها معه وبعد أربعة أشهر، تمكنت من استيعاب بعض الأمور اليومية ومحاولة نطق كلمة بابا، وغني، وتعلمت نطق بعض الأحرف باللغة الإنكليزية والعربية، كما استطاعت أن تمشي بطريقة أقرب إلى الطبيعية، وهذا ما بدا واضحاً في مقطع آخر من الفيديو، ليقدم بذلك قره جولي أملاً لفئة من مرضى القصور بعمل الدماغ، والأمر الهام هو تصميم قرة جولي على تعليمها الموسيقا، ليضيف إبداعاً جديداً بعد أن قدم على مسرح الأوبرا عازفين فاقدي البصر من معهد أوتار، وبعد أن جعل الأطفال في مراكز الإيواء يعزفون على مسرح الأوبرا، فهل ينجح في هذه التجربة الصعبة ونرى هذه الفتاة على مسرح الأوبرا؟ كذلك نجح بإقناع الحاضرين باللجوء إلى جلسات الاسترخاء الموسيقي التي من الممكن أن تساعد في إيجاد السلام الداخلي في الذات.

ملده شويكاني