ثقافة

سيف الدين سبيعي.. لماذا تركت الكاميرا حزينة!

العبارة المنسوبة للفيلسوف الفرنسي ديكارت -1596-1650-“الحقيقة خلف جبال البيرنيه غير الحقيقة بعدها” للتعبير عن نسبية الحقيقة والتي تتغير من مكان إلى آخر، يمكن أن نستعير منها مع تبديل جبال البيرنيه بجبال لبنان، وبالأخص الشرقية منها، والتي تقع في إحدى قممها نقطة جديدة يابوس الحدودية، والتي تختلف الحقيقة عند عبورها عن تلك التي في دمشق.
ورغم أنها حدود مصطنعة، غير أنها تفعل فعلها في هذا المجال، ليست فقط هي المصطنعة، بل أيضا الطريقة التي سمعنا بها في دمشق ضمن الأوساط الفنية والصحفية، عن اعتزال المخرج والممثل “سيف الدين سبيعي”، والمغايرة كثيرا لحقيقة ما حدث معه بعد الجبال الشرقية، أي بعد النقطة الحدودية التي تفضي إلى بلاد النجمة ستيفاني صليبا، والتي غاب اسمها عن مناحة الاعتزال وعن ندّابات الصحافة الفنية الصفراء، التي أوحت أن قرار الاعتزال الفيسبوكي، هو قرار رومانسي وحزين، مرتبط أيضا بحال الدراما المحلية، فيخرج أنصاره بمظاهرات فيسبوكية، لمطالبته بعدم التنحي، وبعد ذلك رد بكلمتين فقط: “تعب المشوار”، وهو رد غير مفهوم وملتبس الدلالة.
إن التعب لا يعني قطعيا التوقف، فلطالما كان الفن متعبا وشاقا، فهل يتوقع مخرجنا الكبير راحة في الفن، يقول نزار قباني في تعريفه للفن: (هو مواجهة بالسلاح الأبيض مع كل اللصوص والمرتزقة وقراصنة السياسة وتجار الهيكل) وإذا سلمنا بصحة ما يقوله الشاعر الدمشقي الأصيل، فهذا يعني أن التعب لا ينفصل عن الفن، وليس سببا للاعتزال على طريقة لاعبي كرة القدم المشهورين، وعندما نسمع عن ممثلة هنا أو هناك اعتزلت، فهذا لا يعطي مشروعية اعتزال فنان، صحيح أن التمثيل فن، ولكن في مثل حالات تلك الفنانات يتعلق الاعتزال بالسن وعدم ملاءمة أدوار محددة، أما الفنان الحقيقي فلا يعتزل، لأن الإبداع لا يبدأ بقرار ولا ينتهي بقرار.
كثير من الفنانين والشعراء والتشكيليين والمخرجين والأدباء، توقفوا لفترة عن العمل ثم عادوا، ومنهم من توقف نهائيا ولكن دون أن يعلم لحظة توقفه أنه توقف، فهناك من يضع اعتزاله ضمن خطة مستقبلية تعبر عن مشروع العمر، مثلما فعل  كونتين تاراتينو عندما قال إنه سوف يعتزل الإخراج بعد إنجازه فيلمه العاشر، ولكنه قال ذلك في بداية تصوير فيلمه الثامن، طبعا اعتزاله عن الإخراج فقط، لكي يتفرغ لكتابة السيناريوهات والتدريس، أي أن الرجل يريد التخصص أكثر في طبيعة عمله الفني، وليس كمخرجنا الذي برز كلام له أنه يريد أن يغير مهنته. تلك المهنة التي تعرض فيها مؤخرا لانتكاسة، وهي ما يتمثل بظروف عمل لم يعتدعليها من قبل في الدراما المحلية، ومنها أن الممثل له رأي في العمل، ويستطيع أن يحتج ويترك، كما وصف البعض بسبب الخلاف بينه وبين شركة (إنديمايندز انترتايمنت) والذي أدى إلى توقف تصوير مسلسل “كارما” فناب عنه بعد تركه العمل، واحدا من ممثلي العمل في الإخراج، ذلك ما يقوله البعض، بينما البعض الآخر يقول أن السبب هو ذهاب بطلة العمل إلى خارج البلاد لمدة شهر، فقرر المخرج الاعتزال احتجاجا، وسواء ترك بإرادته احتجاجا على تصرف الممثلة، أو دُفع لترك العمل بناء على خلاف معها، ومهما كان السبب، فلا بد من طرح سؤال: لو أنه أكمل تصوير العمل، هل كان ليعتزل؟ ما يقودنا أيضا لسؤال آخر: لماذا ترك عمل في لبنان، يقود إلى الاعتزال في سورية خلف وبعد جبال لبنان الشرقية؟.
يبدو أنه ليس مقدرا لمعظم مخرجي المسلسلات السورية، النجاح في مهنة التخلي عن درامانا، وإدارة الظهر لها، في اقتفاء أثر أي فرصة تلوح في الخارج، حتى وإن كان من الواضح أنها لا تتفق مع مسيرتهم المهنية، مخرج “الحصرم الشامي” و”طالع الفضة” و “مرايا” كان عليه أن يعلم أنه الآن بصدد عمل مختلف وجديد، تؤدي فيه النجمة ستيفاني صليبا دورين معا، لشخصيتين، واحدة منهما، تصفها الفنانة ستيفاني كالتالي: (ثرية تعشق الأزياء ولديها نفَس خاص في الموضة لذلك عملنا على أدق تفاصيل إطلالتها حتى إنّ المجوهرات التي سترتديها تمّ تصميمها خصيصاً لها) هل نحتاج بعد هذا التوصيف أن نعلم ما هو اتجاه المسلسل؟.
الشركة المنتجة لديها نجمة جميلة تشتغل على قصة مفصلة على قياس نجمة جذابة وعلى قياس الموضة والأزياء، يعني أنها الأساسية في العمل، لا نص العمل ولا المخرج، فماذا كان يريد المخرج من تصريحاته هذه؟. وما الذي يحدث تماما مع قضية الاعتزال؟ هل هي قضية رأي فني عام مرتبط بمحنة جديدة تُضاف إلى نكبات درامانا، أم هي خلاف مهني بين مخرج وشركة إنتاج! سوف نسلم بالحقيقتين معا، فالحقيقة خلف جبال البيرنيه ليست كالحقيقة بعدها!.

تمّام علي بركات