ثقافة

في رَمشة عين.. قصّة حب قبل كلّ التحليلات

في شهر “الحبّ” لا يمكننا إلّا أن نستحضر قصصاً طاب ريحها في مخيّلاتنا.. نحنّ إليها كلّما عشنا حالة تدفق للمشاعر وحرقة في القلوب.. ولكن ما نعيشه، من واقع تراجيدي وهموم أعمت أذهاننا عن الغوص في عالم الأحلام هرباً أو التماساً لحلّ ولو افتراضياً، حَصَر الخيارات.. لم تعد قصص الشوق وملاحم العشق التي تضجّ فرحاً تَروينا.. فجاء الخلاص “برمشة عين” جان دومينيك بوبي، الكاتب الفرنسي والصحفي المخضرم..

نعم تلك الروح التي أبت أن تظلّ حبيسة جسدٍ مكبلٍ بالقدر، وكأني به يصف حالته هذه بعنوان كتابه “بزّة الغوص والفراشة” لتكون الفراشة روحه والبزة جسده. ويقع الكتاب في 150 صفحة استغرقت ملايين “الرمشات” من عينه اليسرى (بعد إصابته بسكتة دماغيّة، أصيب بشلل كامل إلا بدماغه ورمش عينه اليسرى) لتترجمها البطلة الأخرى، محبوبته وممرضته، بعد ساعات وأيّام من الصبر والحب، ملحمة نثريّة تنفذ من اللب إلى الوجدان.

يصنف الكتاب كسيرة ذاتية، وهو التجربة الوحيدة والفريدة للكاتب، فهو المختص بالأزياء، كما أنّ المنيّة وافته بعد يومين من نشره للعمل عام 1997. وحقّق العديد من الجوائز ونسب مبيعات عالية فور صدوره.

فهذا الجسد الغارق يحتلّنا، يمنع روحنا من التحليق بحريّة خلف حواجز الواقع، ليمسي وجود الآخر صيرورة حتميّة لكي نبقى على قيد الحياة. هذه حال جان دومينيك مع ممرضته ومعشوقته الأبديّة، التي ساهمت في فهمنا لأعماق جان وآلامه، ونقلت لنا تساؤلاته عن إمكانيّة وجود مفاتيح لحريّته “هل هناك في هذا الفضاء مفاتيح لأفتح بزّة غوصي؟ خطّ مترو دون محطّة وصول؟ عملة قويّة بما يكفي لأشتري حرّيتي من جديد؟ يجب أن أبحث في مكان آخر”.

وعند الانتهاء من قراءة الكتاب، ينتابك شعور غريب لا يمكن وصفه بالإيجابي أو السلبي، فتارة نتذكر نعمة الصحة والعوز للآخر وأخرى نذوب في عالم رسمه جان دومينيك ليبثّ فينا روح الأمل، روح التعلّق بالحياة.

ولأهميّة قصتنا ومحوريّتها في تاريخ تراجيديا الحبّ الإنساني، ولمن لا يستسيغون القراءة ويتعلقون بالصورة البصرية، كان لزاماً إخراج عمل سينمائي يجسد قيم ومبادئ هذه البطولة، فصدر فيلم “قناع الغوص والفراشة” عام 2015، نال العديد من الجوائز العالميّة ورغم ذلك لم يضاء عليه كثيراً في دور السينما العربيّة.

يضيف الفيلم بشكل عام على الكتاب إبداعاً وإمتاعاً مشهودين، فلم يكن الغرض منه كما الكتاب التسليط على المعاناة الإنسانيّة فحسب، بل خلق علاقة عاطفية لا إراديّة بين الجمهور والعمل مركزاً على جسور التواصل بين البشر.

وبالطبع لا يخلو الفيلم من بعض الملاحظات الصغيرة، بل التي لا داعي لارتكابها، فالبطل جان لديه ولدان وفي الفيلم ثلاثة، والعلاقة بينه وبين حبيبته تقع في بعض المشاهد بالرتابة الدراميّة، ثمّ هناك عنوان الفيلم، فقد استبدلت بزة الغوص بقناع الغوص دون معرفة السبب.

لم نتوسع بكلّ تفاصيل أيّ من الكتاب أو الفيلم، نقداً أو مدحاً، فالهدف من حديثنا التذكير بقصة خالدة لم تأخذ حقّها لما فيها من قيمٍ وعبرٍ دون أن يتخللها جملةُ وعظٍ واحدة.

سامر الخيّر