ثقافةصحيفة البعث

علامــــات الحــــب

 

يُحجز لعيد الحب يوم في التقويم السنوي فيصادف الرابع عشر من شباط، يضيء الشهر ويكون له العلامة المميزة، تمتلئ المحلات بالورود الكثيرة ويطغى اللون الأحمر وتصطبغ به الشوارع، ينسى الناس في هذا اليوم أساس هذا العيد ويختصرونه بتقديم الورود والهدايا، وينسون أن من جسد هذا العيد كان شهيداً للحب وليس للهدية، ويقيس اليوم البعض مقدار الحب بحجم الهدية، لكنني لم أستطع أن أجد هذا النوع من الحب إلا كعلاقة عكسية، فالحب لا يقاس بشيء ولا يخصص له يوم، المحبة تعاش في تفاصيل صغيرة.
**********
< اتفقت هي وحبيبها على اللقاء ليكونا معاً، فلم يستطع أن يترك الحاجز الذي يقف عنده، لكن عسكريته لم تقيدها أبداً إذ ذهبت هي لتقف إلى جانبه ضاربة كل التقاليد عرض الحائط قائلة له: أنا التي أريد أن أهديك روحي لأنك مهدد دائماً بالخطر.
**********
< صعد إلى الباص كهلاً كبيراً أضنته السنون ومازال مصراً على مواجهة مصاعبها، لكن الباص كان مزدحماً فوقف كغيره فما كان من شاب إلا أن أعطاه مكانه، فأضاء عيني ذلك الختيار بمحبة عارمة.
**********
< أرادت أن تصنع قالباً جميلاً لتهديه لصديقها فقلة المال لم تمنعها من أن تصنع شيئاً مميزاً وتضع في تلك الحلوى جزءاً من روحها، كما لم تألُ جهداً لتحقيق رغبتها، لكن الفشل كان نصيبها فجلست والدمع يطفح على خديها، فما كان من أخيها الأصغر إلا أن جاء ومعه الأغراض وأعدت وإياه القالب من جديد قائلاً لها: إن لم يعجبه هكذا فهو لا يستحقك فكل ما تفعلينه رائع ولذيذ.
**********
< اعتادت أن تشكو لصديقاتها ما يحصل معها وأحياناً تجد منهن من يستمع لها أو ربما يعطينها حلاً لمشكلة، وفي المساء تعود للمنزل لتخبر أمها روتين يومها ومشاكلها كأنه أمر اعتيادي، فكبرت الفتاة وهي مدركة أن الشخص الوحيد الذي كان يقف بجانبها هي أمها تلك الطبيبة التي كانت تسمعها كل ليلة واعتادت أن تخيط جراح قلب ابنتها وترممه لتعطيه الحياة من جديد.
***********
< كان يمسك يد أخيه الصغيرة بشدة خائفاً من أن يضيع ويفقده كما فقد هو كتف أبيه وحنان أمه وعطف أخته، عانق أخاه بقوة وأراد أن يعطيه كل ذلك دفعة واحدة، ويصر الطفل على تجسيد مقولة فاقد الشيء يعطي كل شيء.
**********
< طفلته الصغيرة تعاني من الكوابيس في كل ليلة، فما كان من الأب إلا أن أعطاها حلاً غريباً، كان يجلس بجانبها كل ليلة ويحضر دفتراً صغيراً يجلس معها ليكتب الكابوس على ورقة ثم يقول لها مزقي الورقة، وهكذا ينتهي الحلم البشع والجميل منه ونحتفظ به كذكرى، بعد فترة انتبهت الفتاة إلى دفتر كبير من الأحلام الجميلة.
*********
< هما حولا الحب إلى صداقة، لم تكن الحياة عادلة معهما جمعتهما سوية وجعلتهما يعرفان تفاصيل بعضهما كأنهما روح واحدة، لكنها شاءت النهاية وتدخلت كما في أغلب العلاقات أن تنهيها، لأن الحياة خافت ربما أن يفقدا تلك العاطفة الجميلة وأن يفترقا ممزقين كل ذكرى عاشاها معاً، فما كان من العاشقين إلا أن أصبحا صديقين كانا معاً في مواجهة مصاعب الحياة.
تلك المواقف والأشياء التي ربما تكون عادية هي التي من خلالها نستطيع أن نحدد مقدار الحب الذي يعتمر في قلوبنا، هي القادرة أن تبقي الإنسانية في قلبنا بزمن اجتاحت به التكنولوجيا أغلب مكنونات وتفاصيل حياتنا، هذه المحبة التي نتغنى بها في أشعارنا ونطلبها ونسعى إليها نطبقها في روتيننا اليومي دون أن ننتبه لها أو نسمع بها، فنقف قليلاً مستمتعين بشعور المحبة الغامر الذي أوجده الله في قلوبنا “إذا المحبة أومت إليكم، فاتبعوها، إذا ضمتكم بجناحيها فأطيعوها، إذا المحبة خاطبتكم فصدقوها، لا تملك المحبةُ شيئاً ولا تريد أن أحداً يملكها لأن المحبة مكتفية بالمحبة”، ولأننا أناس بفطرتنا لا نستطيع أن نعيش وحدنا فتخصيص يوم واحد للحب لا يكفي، فالمحبة يجب أن تبقى هي الطاغية على حياتنا لنستطيع أن نكمل المشوار، فالجرس ليس جرساً حتى تقرعه، والأغنية ليست أغنية حتى تغنيها فلا تدع الحب سجيناً في القلب، فهو لا يصبح حباً حتى تمنحه للآخر.

علا أحمد