يا حبيبي تعالَ الحقني!؟
د. نهلة عيسى
الشوارع تضج بالأحمر, بالونات, وورود ودمى, وملصقات تبدو وكأنها مكتوبة بدم القلب, وحرقة شعب يحاول النزول عن حبل الأنين بأي ثمن, ويبحث عن وسادة ملونة يرتشف منها النسيان, نسيان أن مابدأ قبل سبعة أعوام, مازال يتكرر كل عام, والأسى يلاحق الصدى: جيشنا يتقدم على كل الجبهات, فتنهمر صواريخ الغدر لتملأ كل الساحات, والدائرة جهنمية, والأخبار طواحين هراء الهراء, تبني جداراً فاصلاً بيننا وبين الأمل!!.
الشوارع تضج بالأحمر, لكن صورة العدو في الركن القصي, لأن عيد الحب هذا العام ليس ككل عام, فقد بدأ القلب واهن الساقين بمعاودة الفرح, بعد يوم سبت مبارك, أهدانا فيه قديسنا (جيشنا) كبرى الهدايا, طائرة هي تاج رأس غطرسة الخصم, باتت لأقدامنا مطايا, فتحول العقل فينا إلى منديل مسحنا به دموع العين فرحاً, وطلاء وجوه من هم من يومها يتخبطون في عريهم, يعتلون منصات الأخبار بالسراويل القصيرة, يحللون, ويدعون: أنهم على وطننا يتوجعون, وأنهم من تبعات ما جرى علينا خائفون, وهم في الحقيقة على ملوكهم خائفون, وكلنا يعرف كم لبني إسرائيل بيننا من ملك!؟.
الشوارع في وطني تضج بالأحمر, والبلاهة رفيقة الهذيان على الشاشات, ومتعهدي خرابنا يبدون عليها تحت تأثير صحو مشلول القدمين, كالبوم المُباغت ينعقون, يغافلون الصدق بالخناجر المسمومة, لكي لا يرفعوا الرأس من وحل العمالة والتجاهل, وكأنهم كما قال شاعر البصيرة “أمل دنقل”: وضعوا الجواهر بدل العيون, فأصبحوا لا يرون, ويُشترون!؟.
الشوارع مكسوة بالأحمر تستجدي الحب, وفرحتنا خارج المساومة ولا تحتاج استجداء, وأصوات تهاوي الطائرة في رؤوسنا, صوتها يشبه صوتنا, بل ربما هو صوتنا, وحطامها بعض الغضب, ناجينا فيه الرب سبع سنين, أيها الرب: قابلنا وقَبلنا كل الضفادع في الدنيا, بحثاً عن أمير, ولم نجد الأمير, فهل هناك عالم غير هذا العالم, أو حياة بعد هذه الحياة, ستبعث فيها لنا أمير؟ أرجوك أيها العالي في سابع سما: أرجوك ابعثه هنا في الوطن, لأننا قبل كل وجع, وبعد أن ينتهي أو لا ينتهي الوجع, لن نغادر الوطن, فاستجاب الرب, وكان أميرنا طائرة أسقطت لنا من السماء, فطارت الأرض بنا إلى السماء!.
الشوارع تضج بالأحمر, والعمر حتى يوم السبت كان يبدو أقصر من الأماني, والفرح عابر صفيق, ما أن يفتحَ الباب, حتى يغلقَ الباب, ولكننا رغم كل ذلك ولا أعرف لماذا, مازلنا على أمل, نصب الصبر نخباً فنخباً, فوحده الصبر, الذي لطالما كان شريكاً, بات ربيعاً في هجيرنا المستعر, وماءً لظمأ ناري في الضلوع, ومتراساً في وجه الصقيع, وقامة منصوبة في وجه الانحناء, تمنح ولو وهماً..أملاً, بأن الماء قريب, وقد كان بالفعل قريب, ولكن بعضنا تحت تراكم الوجع لم يكن يرى!.
الشوارع تضج بالأحمر, رغم أن الأحمر يراق كالماء في أرضنا كل يوم, فالدم صار ماءً, وماء عيوننا صار دماً, وقميص عثمان يعتلي الرايات, لأن بعض الابناء يبصقون في بئر أباهم, ويرفعون قميص الفتن, مات عثمان, ولم يزل يتوارث قميصه من يكرهون الوطن, ونحن منذ أزل الأزل ننتظر عودة حاملي القميص إلى الرشد, ومدن الألف عام, صارت مدناً من دمار, ترتقي كل يوم درج المقصلة, ولا تنحني, وفيروز في المذياع القديم, تهمس في أذن القدس: لأجلك يامدينة السلام أغني, فنسمع اسم القدس, ونظنها تقول: دمشق, فيرد حماة دمشق لفيروز الصوت, بصوت حطام من طار فوقنا يظننا نعاجاً, فذبح كالنعاج, وتحول عويله في آذاننا إلى أغنية: “يا حبيبي تعال الحقني شوف اللي جرالي”, ولأول مرة منذ سنوات من قلبنا ضحكنا!.
الشوارع تضج بالأحمر, وقديسنا ليس “فالنتين”, قديسنا جيشنا ولأجله بالحب نحتفل, ولن نسمح للجبناء بالخطابة في ساحة الشهداء, فقد رشقنا المدية في الحائط, ووجوهنا مغسولة من النفط, وفينا الكثير من الجرأة لوضع الجرس في عنق القط, اليهود يهوداً على حائط المبكى, أوفي خيبر, وعندما نطلق النار, يد الوطن فوق الزناد, وسيغفر الرصاص من ذنبنا ما تقدم وما تأخر, لأن الطريق إلى القدس يبدأ من دمشق.