المواطن “طبيب نفسه” صيادلة يبيعون الأدوية دون وصفة طبية.. وتشخيصات مرضية غير موفقة
في بعض صيدليات محافظة اللاذقية، لا يقوم الصيدلي بصرف الوصفة الطبية فقط، بل يفعل أكثر من ذلك، حيث ينتزع من الطبيب دوره ليشخص الداء، ويعطي الدواء، وكما يقال: “ليس في كل مرة تسلم الجرة”، فقد تمر حالات يكون الأشخاص أنفسهم لا يعلمون بحقيقة الأمراض التي يعانون منها، فيقصدون الصيدلية لطلب حبة لوجع الرأس، لا يلبثون أن يشربوها حتى يستفيقوا على أسرّة إحدى المستشفيات ليعلموا أنه لولا ستر الله لكانت “راحت عليهم”، والأنكى من ذلك أن للصيدلي حجته بأنه مسموح له إعطاء المريض أدوية المضادات الحيوية في حالات الرشح والكريب، وللزبون حجته أيضاً بأن أجور الطبيب مرتفعة، وساعات الانتظار طويلة، ما يبرر له شراء الدواء من الصيدلية بالمال الذي كان سيدفعه للطبيب، وما بين الحجتين تبقى احتمالات فرص نجاعة الوصفة تتساوى مع مخاطرها، خاصة إذا علمنا أن أغلب من يجلس في الصيدليات ليس صيدلانياً يحمل شهادة الصيدلة، وإنما مداومون شرعوا لأنفسهم المحظور، فوقعوا في الخطأ.
بين مدافع ومهاجم
بين مدافع عن الصيادلة الذين ينازعون الأطباء دورهم، وبين مهاجم لهم بوصفهم يتعدون على أصول المهنة، ويعرّضون صحة المواطنين للخطر، تختلف آراء من التقيناهم. رجاء حسن ربة منزل وأم لأربعة أطفال لديها قناعة في قرارة نفسها أن الذهاب إلى الصيدلي لشراء أدوية للحالات المرضية المتكررة مثل الرشح والزكام أفضل بكثير من مراجعة الطبيب، خاصة أن هذه الأدوية باتت معروفة للجميع، وتقول: هناك بعض الحالات التي يصاب بها الأطفال مثل ارتفاع بدرجات الحرارة والزكام والتهاب في الحلق والتي تحتاج لعلاج آني لا يحتمل الانتظار لحجز موعد عند الطبيب، لذلك نضطر إلى اللجوء للصيدلي، واستخدام خبراته الشخصية التي تسهم في العلاج السريع، وتوفر علينا عناء الانتظار.
وتضيف: ليس خطأ أن يقوم الصيدلي بوصف الدواء، فهو لا يختلف عن الطبيب كثيراً، ولديه مقدرة على صرف الدواء المناسب، ربما أفضل من بعض الأطباء الذين يصفون الكثير من الأدوية، عدا عن أن مزاولة المهنة لمدة طويلة تجعل لدى الصيدلي خبرة في التعامل مع المرضى والأدوية، فيكون تشخيصه للمرض صحيحاً والدواء شافياً.
بدوره يؤكد أبو محمد، وهو مريض سكري بأنه يتناول دواء السكري باستمرار بعد أن حدد له طبيبه الجرعات والمدة التي يجب أن يتناوله خلالها، وبالتالي لا يجد ضرورة لاستشارة الطبيب، كلما انتهى الدواء، وغالباً ما يذهب إلى الصيدلية لشراء الدواء دون وصفة طبية.
هناك ممارسات سلبية يقوم بها الصيدلاني من أجل منفعته، هذا ما أكده فراس رسلان “موظف” بقوله: غالباً ما يعتذر الصيدلي عن عدم توفر الدواء الموجود في الوصفة الطبية، ويعرض على المريض بديلاً له، متذرعاً بأن الدواء مقطوع من الصيدليات كافة، مع العلم أنه يكون موجوداً في صيدلية لا تبعد أمتاراً قليلة عنه، ويضيف: الصيدلاني عندما يقترح البديل الموجود لديه، لا يهمه أن يسأل ليعرف ما إذا كان المريض يعاني أمراضاً ما أخرى، خلاف التي ذهب من أجلها إلى الطبيب، بما قد يأتي بنتيجة مؤذية للمريض.
فيما يؤكد أبو يوسف أن بعض الصيادلة يتحججون بنقص الدواء الموصوف من الشركة الأم، ويقترح دواء آخر مماثلاً في الأثر الطبي الموصوف من أجله، بهدف التخلص من هذه النوعية من الأدوية المتراكمة لديه، ولا تجد مشترياً، عازياً السبب لسعرها المرتفع، أو لضعف فاعليتها العلاجية.
بدورها تقول مريم إبراهيم، طالبة طب: الدواء سلاح ذو حدين، لأنه لا يوجد دواء آمن تماماً، وتناوله دون استشارة طبيب قد يعرضنا للكثير من المخاطر، ولهذا يجب تجنّب شراء الأدوية من دون وصفة طبية مهما كانت الحالة المرضية، وألا نصبح أطباء أنفسنا، أو تناول الدواء بناء على استشارة الأصدقاء دون مراعاة أن لكل دواء أعراضه الجانبية، وحسب حالة كل شخص، وماهية الأمراض الأخرى التي يعاني منها، فمريض السكر مثلاً، أو الضغط يمنع الكثير من الأدوية الأخرى التي من الممكن أن تسبب له أعراضاً أخرى تودي بحياته.
خطر على حياة المريض
الدكتور الصيدلاني، ومدير مستودع أدوية عروة جحجاح، يؤكد أنه يوجد نوعان للأدوية: الأول لأمراض نوعية تصرف عن طريق وصفات تسمى وصفات الأمراض المزمنة، حيث يتكرر صرف الوصفة التي كتبها الطبيب من قبل المريض شهرياً، أما النوع الثاني يسمى أدوية “اوتوسيل” أي أدوية البيع الأوتوماتيكي، وهي الأدوية التي تحتوي على بعض المضادات الحيوية ومضادات الحساسية للأمراض الحادة والموسمية مثل أمراض الكريب والرشح والتحسس، إذ يحق للصيدلي بيع هذه الأدوية دون وصفة طبية.
ويوضح جحجاح أن بعض الصيادلة يقومون بصرف دواء من دون وصفة مثل الأدوية النفسية والعصبية وأدوية الضغط، مشيراً إلى حدوث حالات شكّل فيها تدخل الصيدلي خطراً على حياة المريض، مدللاً على ذلك بشكوى أحد المواطنين للصيدلي بأنه يعاني من ارتفاع، أو انخفاض في الضغط، ويطلب الدواء المناسب لكي لا يذهب إلى الطبيب، وبدوره يقوم الصيدلي بالاجتهاد الشخصي، وإعطائه الدواء الذي يراه مناسباً دون أن يدرك الآثار الجانبية التي قد يتعرّض لها المريض، والتي قد تؤدي إلى الوفاة في بعض الأحيان.
وحمّل جحجاح الجهات الرقابية في المحافظة مسؤولية مزاولة مهنة الصيدلة من قبل غير الخريجين بقوله: يجب على هذه الجهات مراقبة الصيدليات، ومن يعمل بها، مشيراً إلى أن بعض الصيادلة يبيعون أدوية تتعلق بالإدمان بأضعاف سعرها دون حسيب أو رقيب!.
بدوره لفت الصيدلي علاء محمد إلى أن هناك صيادلة ذوي خبرة ضعيفة، وفي المقابل هناك أطباء يقومون بوصف أدوية تجعل المريض يشعر بالحاجة إلى تناولها بشكل دائم، وتدفع به بعد فترة من الزمن إلى الإدمان مثل أدوية: “البالتان وترامادول”، موضحاً أنه قد تكون وصفة الطبيب صحيحة ويحتاجها المريض، لكن هناك طرقاً بديلة، إذ يجب على الطبيب وصف الأدوية المماثلة في المراحل الأولى من المرض، وترك الأدوية التي تقود للإدمان إلى المراحل النهائية من العلاج.
الصيدلانية يارا حسين وصفت العلاقة بين مهنتي الطب والصيدلة بالمكمل للآخر، مع توضيح محاذير صرف أدوية من دون وصفة طبية، إضافة إلى الأسس التي يعتمدها الصيادلة في مهنتهم، حيث أوضحت بأنهم يقدمون معلومات كافية للمرضى حول كيفية استخدام الدواء، وعدد الجرعات، وغير ذلك، إلى جانب مشروع قانون جديد تعد وزارة الصحة لإصداره، يهدف إلى إلزام الصيادلة بالاحتفاظ بملفات عن التاريخ المرضي لكل مريض.
تحديث الأنظمة
الدكتور فراس بسمة، نقيب الصيادلة في اللاذقية، لم ينف وجود حالات يبيع فيها الصيادلة الدواء دون وصفة طبية، مؤكداً أن هناك بعض الأدوية سمح القانون للصيادلة بإعطائها للمريض دون وصفة طبية مثل أدوية: الرشح، ومسكنات الألم، والمضادات الحيوية، ووفقاً للتعليمات الصادرة عن وزارة الصحة فإنه يجب على الصيدلي توثيق أدوية الأمراض المزمنة بتسجيلات خاصة ضمن الصيدلية.
وأشار بسمة إلى قيام بعض الصيادلة من ضعاف النفوس ببيع أدوية مهدئة تؤدي إلى الإدمان دون وصفة طبية، مشدداً على وجود لجان مشتركة من ممثلين عن وزارة الصحة، ونقابة الصيادلة، مهمتها الكشف على الصيدليات بشكل دوري، وفي حال ثبوت مخالفة أحد الصيادلة من ناحية عدم الالتزام بالدوام، أو مزاولة المهنة من غير خريجي الصيدلة، أو صرف الدواء من دون وصفة، أو التلاعب بالأسعار، فيتم توجيه الإنذار إليه مع تنبيهه، وفي حال عدم الالتزام بالإنذار، وعدم تواجد الصيدلي ضمن صيدليته، تتم إحالته إلى مجلس تأديبي، وفي حال عدم الالتزام يتم رفع كتاب إلى وزارة الصحة لاتخاذ الإجراءات القانونية، ومنها تشميع الصيدلية بالشمع الأحمر.
وحول انتشار ظاهرة تأجير أو استئجار شهادة الصيدلة أو الصيدلية، أكد بسمة أن هذه الظاهرة منتشرة في جميع المحافظات السورية، وليس في اللاذقية فحسب، مشدداً على أن ذلك أمر مخالف للقانون، وفي حال التبليغ عن مثل هذه الحالات تتم معاقبة المؤجر والمستأجر للشهادة، لافتاً إلى ضرورة تحديث بعض القوانين والأنظمة المتعلقة بمزاولة مهنة الصيدلة، واتخاذ قرارات جديدة للحد من المخالفات.
وأضاف بسمة: في السابق كانت الشهادات تُعطى لمن له القدرة والمعرفة الكافية على التعامل مع الأدوية، ولكن اليوم، للأسف، أصبح حتى توفر هذه الكوادر صعباً للغاية، ما أدى إلى حدوث أخطاء لا تغتفر في مهنة الصيدلة، كإعطاء أدوية خاطئة، أو صرف العلاج دون وصفة طبية!.
تفاقم المرض
الدكتور هيثم عبد الله، الاختصاصي بالأمراض الداخلية، أكد أن ظاهرة صرف الصيدلي للدواء دون وصفة طبية، واستخدام المريض له دون مراجعة الطبيب، تفاقمت بشكل خاطئ، موضحاً أن الدواء هو مادة كيميائية يجب استعمالها بمنتهى الحرص والعناية، وأن يكون استعمالها مرتبطاً بالحاجة والضرورة، وليس استعمالاً عشوائياً قد يضر أكثر مما ينفع، وقد تكون له عواقب كبيرة في بعض الأحيان.
ويضيف: حتى الأدوية التي لا تحتاج إلى وصفة طبية لا يجب أخذها أو تكرارها من تلقاء أنفسنا، وإنما الأفضل استشارة الطبيب في كل مرة نحتاج فيها إلى تناول الدواء، وهذا يشمل الأدوية الشائعة، فلكل دواء جرعة معينة، وهناك حد أعلى بتناول الدواء، سواء في الجرعة الواحدة، أو الجرعة اليومية، وهذا يشمل الكبار والصغار، موضحاً أن ذلك يعني عدم التساهل في أخذ الدواء كيفما يشاء المريض.
كما شدد عبد الله على ضرورة استشارة الطبيب المختص لأنه الوحيد الذي يقدم الاستشارة الصحيحة والآمنة لتناول الدواء، وليس استشارة الصيدلي الذي بات اليوم ينازع الطبيب على مهنته من حيث يدري أو لا يدري، مبيّناً أن الاستعمال العشوائي لبعض الأدوية كالمضادات الحيوية يمكن أن يؤدي إلى نقص المناعة، وجعل الجراثيم أكثر مقاومة للدواء، وهذا يعني أن المريض في المرة المقبلة سيحتاج إلى العلاج لفترة أطول، ثم إلى تغيير الدواء، عازياً السبب في ذلك إلى أن المريض عندما يشعر بالتحسن يترك الدواء، وهذا برأي عبد الله من أكبر الأخطاء التي تؤدي إلى الانتكاسة.
باسل يوسف