“من إيدك أحلى” مبادرات للتكافل الاجتماعي ومد جسور الأمل.. ويــد العــون تصنــع فرحــة الفقــراء
بعيداً عن الضوء، وقريباً من الإنسانية التي ننشدها، وبوادر التكافل الاجتماعي الذي نتطلع إليه في زمن الحروب والأزمات، أيادٍ بيضاء تستحق الاحترام والتقدير، تعمل بخفاء، وتبحث بصمت عن محتاجين لترسم البسمة على وجوههم، فتتجلى بأبسط الأشياء، التي تبدأ ربما مع فرحة طفل فقير، حصل على حقيبة جديدة، وأقلام ودفاتر، أو ملابس مدرسية جديدة، ليمضي معها بسعادة إلى مدرسته، ويشعر من خلالها بالمساواة مع أصدقائه وأقرانه، ولا تنتهي أيضاً بمد يد العون لمحتاجين آخرين بعضهم يحتاج عملاً جراحياً، أو أدوات طبية، أو مساعدات أخرى، فتكون تلك المبادرات الأمل والمنقذ للكثير من المحتاجين، ومصدر الضوء الذي يتجلى كوجه آخر للعدالة الاجتماعية، فيحافظ على اتزان المجتمع واستقراره، فالمجتمع حين يتكفل بشؤون كل فرد فيه من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية يسوده التواضع، وتنتشر فيه المحبة، ويُبنى المجتمع القوي الذي ننشده ونرجوه.
تواصل اجتماعي
وربما تكون وسائل التواصل الاجتماعي قد ساهمت إلى حد كبير بصناعة جسور من الأمل، والتواصل لجمعيات عديدة نشطت خلال الأزمة، وبحثت عن المحتاجين وداعميهم، فكانت مبادراتهم العديدة والمتنوعة، التي كثيراً ما نصادفها على وسائل التواصل الاجتماعي، لتساعد المحتاجين، حيث تجدهم، وتعمل على نشر أفكارها ومساعداتها، ونقلها من ذلك الشكل التقليدي للباحثين عن المساعدات العينية، وكراتين الإعانة، التي ربما يكون بعض المستفيدين منها ليسوا بحاجة فعلية أو ماسة، فالجميل فعلاً حين تساهم هذه الصفحات، ومواقع التواصل في الوصول إلى أصحاب الحاجة الفعلية، وربطهم بالمتبرع أو المساعد الذي يخفي في كثير من الأحيان شخصيته الحقيقية، وربما تساعد وسائل التواصل من ناحية أخرى بتعزيز روح التعاون والمبادرة والتطوع، والملفت حين نسمع قصصاً كثيرة من أشخاص حصلوا على مساعدات عبر تلك المواقع والصفحات، أو آخرين قاموا بمد يد العون والمساعدة حين سمعوا بقصص بعض المحتاجين عن طريق تلك الحملات التي يظهر معظمها ضمن جهد منظم لعمل منظمات غير ربحية، مثل جمعية نور للإغاثة والتنمية التي التقينا بالقائمين عليها، وهي جمعية تُعنى في مجال تمكين الشباب، وتنمية قدراتهم الفردية، والمرخصة من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وتعمل في محافظات دمشق وريف دمشق وحلب والسويداء، وتنشط في عدد من المجالات، منها الإغاثة، الدعم النفسي الاجتماعي للأطفال والأسر، التعليم، تنمية قدرات الشباب، تمكين المرأة، الرعاية الصحية، تحسين سبل العيش، دعم المبادرات المجتمعية، نشر الوعي وثقافة التطوع في المجتمع السوري.
“من إيدك أحلى”
التأكيد لفكرة المساعدة التي تصل إلى مستحقها، تجلت عبر فكرة لفتت انتباهنا في إحدى المبادرات التي حملت اسم “من إيدك أحلى” لجمعية نور، حيث يتم عرض الحالات التي تحتاج إلى مساعدة عبر فلاشات ومنشورات متتالية، يتم بعدها التواصل مع من يرغبون بالمساعدة والتكافل الاجتماعي، وتتحدث ريما مصطفى، منسقة الحملة عن الفكرة الجديدة التي بدأت خلال شهر رمضان المبارك الماضي، ومازالت مستمرة منذ ذلك الحين، لتكون بمثابة جسر يربط بين المستفيدين والمتبرعين للعمل على مساعدة أصحاب الحاجة في كل المحافظات السورية بمختلف أنواع المساعدات العينية والمادية والجراحية والطبية وغيرها، وتوضح: “تقوم الحملة أساساً على فكرة التكافل الاجتماعي، وتلبية الاحتياجات الضرورية للمحتاجين، وتأمين فرص عمل للخروج من فكرة المساعدات الإغاثية، ليصبحوا في المستقبل أصحاب عمل، وليسوا فقط مستفيدين”.
أما بالنسبة للحالات فيتم اختيارها بعد التأكد من صحتها عبر التقارير الطبية، والثبوتيات، وأيضاً هناك اختبارات تقوم بها الجمعية، ومدى حاجة الحالة للتدخل السريع، حيث يتم نشر الحالات على صفحة الحملة على “فيسبوك” بمعدل حالتين إلى ثلاث حالات يومياً.
صعوبات وتحديات
وأضافت مصطفى: “التحديات اليومية التي تواجه عملنا تكمن في صعوبة التأكد من صحة بعض الحالات أحياناً، وفي العثور على متبرعين راغبين بالمساعدة، وعدم وجود مراكز لمعالجة صعوبات النطق في باقي المحافظات السورية بأسعار مقبولة، ورفض بعض الأهالي الحصول على الدواء مباشرة لرغبتهم بالحصول على قيمته المادية”، أما عن الحالات المستفيدة فأوضحت بأن الجمعية استقبلت 63 حالة، واستجابت لـ 21 حالة منهم، حيث بلغ عدد المستفيدين 126 مستفيداً، توزعت بين سبع عمليات جراحية، خمس منها تكفّلت بها جمعية الشهيد “قاديروف” الخيرية، وكرسي متحرك ووكر، وألبسة، وأدوية، وفرشات، وفحص عيني، وقسطرة، بالإضافة إلى الحاجات الطبية المختلفة، وحقائب مدرسية، وقرطاسية لمئة طالب متسرب من المدرسة، وغيرها من الحالات، وأضافت: تعاونت جمعية نور خلال الحملة مع كل من جمعية الشهيد أحمد قاديروف الخيرية، وجمعية السلام، ومشفى الهلال الأحمر، والمشفى السوري التخصصي، ومنظمة آمال، وعدد من المتبرعين، وختمت مصطفى بأن الحملة مستمرة حتى نهاية العام، وهي تفتح الباب لتقديم المساعدة من خلال نشر إعلانات عن حالات بحاجة للمساعدة على صفحتها على الفيسبوك بشكل مستمر، ويمكن التواصل معها بوسائل عديدة، إما عبر الصفحة، أو من خلال الأرقام والحالات، أو من خلال زيارة مقر الجمعية، أو أحد مراكزها.
وعي جماعي وحلول
في الجانب الاجتماعي يتحدث الدكتور إبراهيم ملحم، مدرّس علم الاجتماع في جامعة البعث، عن أهمية تطور الوعي الاجتماعي، وظهور الفكر التطوعي التكافلي لدى شرائح المجتمع عامة، وشرائح الشباب خاصة، عبر الجمعيات المختلفة، وهذا الأمر كان ملفتاً، ودل على نضج حقيقي، وإن كان بمبادرات مختلفة، وألوان عديدة، ربما يبدو بعضها ذا بصمات دينية، أو سياسية، أو غير ذلك، لكن هذه النتيجة متوقعة، وهي ثقافة الحروب، فرغم ظهور هذه الجمعيات بطابع شبابي وتطوعي، إلا أنها في الواقع كانت بدعم وإيحاء من منظمات متنوعة سياسية ودينية، وغيرها، فالنضج الحضاري لبعض المناطق دفع البعض للعمل الإنساني بتسميات دينية قد تتبع الكنيسة، وقد تتبع الأوقاف، وهذا الأمر ليس مرتبطاً بمجتمعنا فقط، وإنما كل المجتمعات تتصرف بطرق مشابهة، فلا هدف إنسانياً بالمطلق، ولا توجد جمعية إلا ولها هدف مبطن، حتى لو لم تكن معروفة في مرحلة البداية، ولكن أياً يكن تنوع الجمعيات، وزيادة عددها، فهو ينم عن وعي وتفاعل اجتماعي نحن بحاجة إليه، ويختم ملحم بأنه في المرحلة التي تلي الحرب من المهم جداً إعادة النظر بموضوع تمويل الجمعيات، ولاسيما الشبابية، وتفعيل نظام البطالة والتقدم الاجتماعي للمحافظة على رأس المال الاجتماعي.
محمد محمود