70 ألف مكلف للدخل المقطوع وأكثر من مليون بريع العقارات في مالية دمشق.. غياب المتابعة وأصول التبليغ يعرقل التحصيل الضريبي وتبعثر جهود المكلفين والدوائر المالية
لا شك أن قرارات الحجز الاحتياطي والتأمين الجبري على الأموال والممتلكات، هي من الإجراءات الكفيلة بإلزام أصحابها تسديد الذمم المالية المترتبة عليهم، ولكن يبدو أن آليات تطبيق هذه القرارات تعاني خللاً، بافتقادها لعنصر المتابعة من الدوائر المالية، وغياب أصول التبليغ كما يدعي البعض، مما شكل سبباً رئيسياً لارتفاع نسبة التهرب الضريبي، بالإضافة إلى حاجتها للكثير من الوقت والجهد لدى معالجتها من كلا الطرفين، فالتأمين الجبري أول هذه الإجراءات على العقارات التي لم تؤدى ضريبتها، لكنها قد تبقى لسنوات دون التحصيل، وتغيب مع غياب حاجة المالك لأي مستند عقاري، ثم تعود لتظهر لدى مراجعة المكلف لإحدى الدوائر المالية لشأن ما، إذ تبدأ رحلة المتابعة لإزالة تلك الإشارة، فبحسب ما وصلنا من أحد المراجعين الذي تبين له لدى مراجعته لإحدى الدوائر المالية وجود إشارة تأمين جبري على عقاره “دون علمه” يعود تاريخه لأكثر من خمس سنوات، مما أدى به إلى إيقاف المعاملة الأساسية، والبدء بمعاملة إزالة إشارة التأمين الجبري، لتستغرق الإزالة ودفع مبلغ 16 ألف ليرة، وقتاً استمر لأكثر من أسبوعين، بالإضافة إلى حاجتها لعشرات التواقيع الخاصة بها، وهدرها لوقت وجهد الشخص المعني والدوائر المالية، وهي حالة من حالات كثيرة موثقة بقائمة طويلة من الأسماء أبرزها لنا خلال حديثه، تحوي إشارات على الممتلكات لم يصار إلى تسديدها بعد.
فهل تقتضي هذه الإجراءات وضع الإشارة فقط أم العمل على تحصيلها؟. وإن كانت الغاية تحصيل الضرائب المفروضة، فلماذا لا تعمل الدوائر المالية على إخبار المعنيين بها عبر طرق موثوقة، تجني التحصيل المالي لصالح الخزينة العامة، وتوفر الوقت والجهد للجميع، بدلاً من أن تبقى ذمماً مالية متعثرة لأجل غير مسمى تتضاءل قيمتها المادية بمرور الزمن؟.
حلقة مفقودة
الإشكالية تكمن بعدم إتباع تعليمات أصول التبليغ، بحسب رأي أحد الخبراء، الذي بين أنه غالباً ما يكون التبليغ عن طريق تسليمه لمختار المنطقة، أو إلصاقه على الجدار، وهي إجراءات صحيحة برأيه إلا أنها لا تؤدي إلى تبليغ المعني في أغلب الأوقات، لافتاً إلى أن الموظف قد يلجأ لوضع إشارة التأمين أو الحجز مباشرة دون اللجوء إلى التبليغ بحجة عدم معرفة عنوان المكلف أو تغيره. وفي الوقت الذي يؤكد الخبير على حق الدولة في تحصيل الضرائب، لكنه يرى وجوب التريث بآليات وضع الإشارة أو تنفيذ الحجز وعدم التعسف باستعمال هذا الإجراء قبل التأكد من وصول التبليغ إلى الشخص المعني، متسائلاً ما المانع في اعتماد وسائل الاتصال الحديثة لتبليغه؟.
أصول
وفي أصول التبليغ، لفت الخبير إلى وجود مهل حددها القانون لدفع المبلغ المستحق بعد التبليغ الصحيح، إذ يتم توجيه إنذار إلى الشخص المعني، وتليها إشارة الرهن على العقار، ويكون الحجز الاحتياطي المرحلة النهائية كنتيجة لعدم استجابة المكلف لكافة الإجراءات السابقة، أما أن يكون الحجز الاحتياطي أول الإجراءات فهي مخالفة صريحة لما يقتضيه القانون، عدا عن كونها تكلف وقتاً وجهداً من كلا الطرفين لإزالتها.
توضيح
مدير مالية دمشق محمد العيد أبدى استغرابه لشكوى المراجع لعدم التبليغ عن إشارة التأمين الجبري، مبيناً أنه إجراء احترازي، يوضع نتيجة عدم تسديد ضريبة العقارات، لمنع مالك العقار من التصرف فيه أو بيعه قبل تسديدها، ويطبق على الضرائب ذات القيم المادية الصغيرة بحسب تعبيره، ولا يستلزم تبليغاً كونها تندرج ضمن الضرائب السنوية “ضريبة ريع العقارات وضريبة الدخل المقطوع” فهي معروفة لدى الجميع، أما التبليغ فيقتصر على إجراءات الحجز الاحتياطي والتي تتم على الضرائب ذات القيم العالية، مؤكداً على التزام المالية بأصول التبليغ، إذ تبدأ بإنذار لمدة عشر أيام، ثم يليها التبليغ بقرار الحجز لمدة خمسة أيام، ولدى عدم الاستجابة يعمم قرار الحجز على المصالح العقارية لوضعه على الصحيفة العقارية، ليتم فيما بعد الإعلان عن البيع في المزاد العلني، وتبدأ إجراءات الحجز الاحتياطي من مبلغ 300 ألف ليرة في مالية دمشق، بحسب مديرها، إلا أنه قابل للتغير بحسب إيرادات المالية في كل محافظة.
ولدى سؤاله عن عدم المتابعة، أكد العيد أن المالية تصدر مئات الجداول سنوياً، إذ يوجد في محافظة دمشق أكثر من 70 ألف مكلف في ضريبة الدخل المقطوع، وما يفوق المليون في ضريبة ريع العقارات، مشيراً في هذا السياق إلى ما تعانيه المديرية من نقص في الكادر البشري، فالمديرية بحاجة إلى 73 جابياً، ما يعني وجود 73 منطقة شاغرة، ما حدا بالمديرية إلى تكليف عدد من الموظفين بتسيير الأعمال عن الجباة الأساسين، لافتاً إلى أنه ورغم إعلان الهيئة العامة للضرائب والرسوم لمسابقة لتعيين جباة، إلا أنه لم يتم التقدم إلى المسابقة بعدد كاف من الذكور.
ضعف الوعي
ولفت العيد خلال حديثه إلى إشكالية أخرى لا تقل أهمية عن نقص الكوادر، وهي ضعف الوعي الضريبي لدى المكلفين، مبيناً أن نسبة قليلة من المكلفين يقومون بتسديد الضرائب المترتبة عليهم من تلقاء أنفسهم رغم وجود مزايا تمنح لمن يقوم بتسديد ذممه المالية خلال الشهرين الأول والثاني من السنة، إذ يتم حسم 4% من قيمة الضريبة، وفي الشهر الثالث والرابع تكون نسبة الحسم 3%، في حين أن شهري الخامس والسادس من العام لا يحمل حسومات ولكنه لا يترتب عليهم غرامات أيضاً، فالغرامة تبدأ من الشهر السابع بقيمة 5% من قيمة الضريبة، لتصل في نهاية العام إلى نسبة 10%، وتضاعف كل خلال سنتين من التأخير لتبلغ 30% وهي سقف الغرامات.
بالمحصلة
قد يكون ضعف الوعي الضريبي عاملاً أساسياً في ارتفاع نسبة التهرب الضريبي الذي قارب حجمه 400 مليار ليرة سورياً، إلا أن شعور المكلفين بعدم وجود عدالة ضريبية يساهم أيضاً في تنامي حجم ملف التهرب، إضافة إلى تدخل العنصر البشري في تقدير قيمة الضرائب، لذلك بات تعديل النظامي الضريبي أمراً ملحاً، خاصة في ظل ما أكدته لنا مصادر مطلعة أن مشروع قرار التبليغ عبر الوسائل الالكترونية قيد الدراسة، ليتم إرسال كافة المعلومات والمدد المتاحة لتسديد هذه الضرائب عبرها.
فاتن شنان