ثقافةصحيفة البعث

د. أحمد النّقيب: أميل إلى التّجديد وتوظيف المفردات بالعمل الفنّي التّشكيلي

نجوى صليبه

“لمحة عن الباب” هو عنوان القصيدة التي نظمها الشّاعر صقر عليشي، وحوّلها الفنّان التّشكيلي العراقي الدّكتور أحمد دخيل النّقيب إلى لوحة ناطقة شكلاً ومضموناً، مازجاً بين الكلمة واللون، ومقارباً بين المعنى والشّكل، بأسلوب صار معه من الصّعب الفصل بين مصطلحي “القصيدة- اللوحة” و”اللوحة- القصيدة”، يوضّح النّقيب سبب اختياره هذه القصيدة دون غيرها من قصائد عليشي بالقول: “قرأت ما كتبه الشّاعر صقر عليشي في ديوانه الشّعري “كتاب اللمحات” الذي أهداني إيّاه خلال زيارته العراق ومشاركته بـ”الملتقى الدّولي للشّعر العربي في الموصل”، وعندما قرأت قصيدة “لمحة عن الباب” وجدت فيها صورةً تشكيليةً جميلةً، ولاسيّما أنّي أعشق الأبواب وما لها من ثيمة جميلة، ورأيت كيف وظّفها لغوياً، ولأنّ للشّعر والرّسم لغة يشتركان فيها هي الحرف واللون كانت هذه اللوحة”.

وهكذا كانت هذه القصيدة اللوحة وإلى جوارها العديد من اللوحات التي اشتغلها النّقيب بالأسلوب ذاته، مختاراً قصائد لشعراء من مختلف المشارب، وهكذا كان معرضه الفردي الذي أقامه بالمعهد الثّقافي الفرنسي العراقي في الموصل الشّهر الفائت، وبالسّؤال عن معايير اختيار القصيدة لتكون لوحةً تشكيلية وإن كان اسم الشّاعر يلعب دوره هنا أكثر من موضوع القصيدة أو لغتها، يجيب النّقيب: “بالتّأكيد الاختيار يكون بحسب الموضوع واللغة ورؤية الشّاعر وكيفية تصوّره لمعنى القصيدة، أي على هذا الأساس يمكن اختيار المفردات وصياغتها وتنفيذ العمل الفنّي لإظهار القصيدة لوناً بدلاً من الحرف والكلمة، لكن في حالات أخرى من الممكن أن يلعب اسم الشّاعر دوراً أيضاً بالإضافة إلى العوامل الأخرى”.

ويضيف النّقيب: “أنا لا أستخدم الحرف العربي، إنّما الكتابة التي أصبحت بالنّسبة إليّ عنصراً مهمّاً وجمالياً إضافةً للتّعبير عن حدث القصيدة وموضوعها، كما أصبحت الكتابة عنصراً من عناصر لوحتي وهي ملء للفراغ، وأقصد هنا الكتابة المأخوذة من قصيدة، أي أنّها ليست اعتباطية ولا اعتيادية، إنّما فيها صياغة تشكيلية، وبذلك تفرّدت بهذه الميزة في أعمالي الأخيرة”.

“تكامل الفنون وتداخلها” كان عنوان مرحلة ماضية عاشتها الفنّون الأدبية، وكذلك الأمر بالنّسبة للفنّ التّشكيلي، وتلتها مرحلة التّخصص والأسلوب الواحد والمادّة الواحدة، لكن على ما يبدو وحسب ما تابعنا في السّنوات السّابقة هناك عودة وتوجّه إلى دمج ومزج الفنون الأدبية بالفنّية، وبسؤاله عمّا إذا كان مع التّخصص في الفنّ التّشكيلي أم لا، يوضّح النّقيب: “أنا أميل دائماً إلى التّجديد والبحث عن التّداخل واستخدام المفردات التّراثية العراقية والعربية الأصيلة لتوظيفها بالعمل الفنّي التّشكيلي، كما في معرضي الشّخصيين التّاسع والعاشر، إذ استطعت تجاوز كلّ الصّعوبات، فالأمر كان مجازفةً كبيرةً لأنّ التّعامل مع الشّاعر صعب جدّاً، لكن العمل دخل إلى روح الشّاعر من خلال مزج الخط واللون والشّكل والحجم مع الحرف والكلمة والمضمون وهذا هو سرّ الإبداع، وهنا تحقق التّداخل بين الشّعر والتّشكيل.

وعلى خلاف الأدب العراقي، سواء أكان شعراً أم قصّة أم روايةً، لم تسجل الحركة التّشكيلية السّورية أيّ زيارة لأيّ فنّان تشكيلي عراقي خلال السّنوات الماضية، ولا أدري إن كان العكس صحيحاً، يوضّح هنا الدّكتور أحمد: “نتمنّى لهذه النّشاطات الثّقافية والفنية أن تكون حاضرةً، لكنّ الظّروف هي التي تتحكّم، وفي كثير من الأحيان ننصاع لها، لكن كلّي ثقة أنّها ستتحقق، وأنا على استعداد تامّ لإقامة أي نشاط إذا توافرت الإمكانيات والظّروف.

ولم يستثمر النّقيب الكلمة في اللوحة فقط، بل جعلها وسيلته لإيصال المعرفة والفنّ والجمال أيضاً، وذلك من خلال تأليف العديد من الكتب المتخصّصة بالفنّ التّشكيلي وطباعتها على نفقته الخاصّة، وهذا سبب من أسباب قلّة طباعة وإصدار كتب متخصّصة بالفنّ التّشكيلي القديم والحديث، يقول: هذه مسؤولية الجميع.. الوزارة والنّقابة والفنّانون.. كلّ الإصدارات أطبعها على نفقتي الشّخصية للأسف، لذلك نعاني القلّة في هذا المجال”.

في عام 1980 عيّن الدّكتور أحمد دخيل النّقيب معيداً بمعهد الفنون الجميلة في بغداد، وفي عام 1996 عيّن معاوناً للشّؤون الإدارية، وبعدها بعام عيّن مديراً لمعهد الفنون الجميلة، والسّؤال دائماً: هل يمكن للفنّان التّشكيلي بإحساسه المرهف أن ينجح في المنصب الإداري؟ يجيب النّقيب: “لقد كانت إدارتي لمعهد الفنون الجميلة في الموصل موفّقة، واستطعت أن أقيم ثلاثة معارض شخصية وأن أساهم في معارض مشتركة، إضافة إلى المهرجانات والنّدوات ودراسة الماجستير، وكنت حريصاً على كلّ الأمور الإدارية في الفترتين الصّباحية والمسائية وكلّ الاختصارات التّشكيلية والموسيقية والمسرحية والخط والزّخرفة”.