دراساتصحيفة البعث

عفرين.. بين حسابات أردوغان الشخصية والضوء الأخضر الأمريكي

وسام إبراهيم

صيف 1974 قامت تركيا بغزو قبرص على نحو غير قانوني وقسّمتها، وتسببت بنزوح عشرات آلاف القبارصة اليونانيين، ومنذ ذلك الحين تدير تركيا بشكل أساسي شمال قبرص ولم يحاسبها جيرانها الأوروبيون وحليفهم الأمريكي على فعلتها هذه، .. فلماذا؟.

بالحديث عن سياستها فيما يتعلق بسورية وعدوانها مؤخراً على أراضي الوطن الشمالية، يعاد طرح السؤال نفسه: لماذا تفلت تركيا بفعلتها أيضاً، خاصة أنها اتخذت من مهاجمة قوات مدعومة من واشنطن تعتبرهم إرهابيين ذريعة؟!.

علينا أن نفهم حقيقة أن تركيا تقوم بما يحلو لها في المنطقة بفضل علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية، والأكيد أن تركيا ما كان لها أن تغزو شمال سورية لولا الضوء الأخضر الأمريكي.

الأتراك الذين اختاروا الارتباط بالغرب منذ إنشاء الجمهورية في ثلاثينيات القرن الماضي يلعبون ضمن الدور المرسوم لهم في محيطهم الحيوي من قبل القوى الغربية بإدارة واشنطن، وهم محكومون بخطوط استراتيجية رسمها لهم الناتو وتبقى سياستهم خارج هذه الخطوط ضمن هامش ضيق عما هو مرسوم غربياً.

الموقف التركي من القضايا الخارجية غير المستقل، وإن حاول المسؤولون في أنقرة إظهاره عكس ذلك، جعل الصورة حول تركيا غير واضحة وغير ثابتة وهي تتأرجح بين النزاع مع دول الجوار “سورية والعراق وإيران وأرمينيا وروسيا”، وبين   المصالحة دون أن تستقر، كذلك الوضع في الداخل المتأرجح بين صراع الأقطاب السياسية والانقلابات والاستقرار المهتز.

بناء على افتراض أن هناك هامشاً ضيّقاً لتحرك تركيا خارج المنظومة الأطلسية، فلا يمكن قراءة سياسات حكومة العدالة والتنمية اليوم دون أخذ الوضع الداخلي بالاعتبار، والذي يؤثر حتماً باستمرار وجود أردوغان وحزبه في السلطة، فهناك انتخابات رئاسية العام القادم، تترافق مع اقتصاد متراجع منذ عام 2009، إضافة إلى قضايا حقوق الإنسان التي وصلت إلى أسوأ مراحلها مع حملة الاعتقالات ولجم الأصوات المعارضة لسياسة أردوغان، بالإضافة إلى المسألة الكردية العالقة منذ أكثر من ثلاثين عاماً، فكان لابد من تصدير الأزمات إلى الخارج.

ومما لاشك فيه أن حسابات أردوغان الأساسية مرتبطة بالانتخابات المقبلة ومن يراقب خطاباته الأخيرة يلمس طابعها الشوفيني لأنه يريد الفوز بالأغلبية، وهو المعروف عنه المراوغة وتقمص الشخصيات حسب الظروف.

إذاً، الغزو التركي للشمال السوري حاصل بموافقة واشنطن والتي لن تضحي بدولة عضو في الناتو لحساب دعم مجموعات مقاتلة “قسد”، والتي تستغلها لتحقيق مآرب دنيئة. والغزو حاصل ضمن أجندة أردوغان لكسب القوميين الأتراك بذريعة مهاجمة جماعة مرتبطة بحزب العمال الكردستاني، المصنف في تركيا بالإرهابي.

لكن أهم ما يجب إدراكه أن الواقع الحاصل في الشمال والذي يدعي الأتراك أنه يهدد أمنهم القومي ما كان ليحدث لولا عبث أردوغان وحكومته باستقرار سورية طوال سبع سنوات، وهو أحد أعراض دعم العدالة والتنمية للإرهاب. وما يجب إدراكه أيضاً أن سورية ليست قبرص وأصدقاؤها الداعمون لها ليسوا دول أوروبا الغربية التابعين لواشنطن بل دول مستقلة بقرارها وهم بالإضافة لذلك لا يثقون بالأتراك، كما هو حال روسيا، والتي تشوب علاقتها بتركيا المشاكل منذ الأزل.