ثقافةصحيفة البعث

“تحية إلى نيسان” وتشكيل جمالي في معرض جماعي

حمص ـ آصف إبراهيم

أصبح المعرض السنوي الذي يقيمه اتحاد الفنانين التشكيليين بحمص، ويجمع عدداً كبيراً من فناني المحافظة، تظاهرة فنية تحتفي بالجمال والإبداع الإنساني الخلاق، وتقليداً سنوياً يلتقي فيه فنانو المحافظة ليطلعوا من خلاله على تطور التجربة الفنية عند بعضهم البعض، والتعرف على تجارب تشكيلة شابة تنضم إلى نادي الإبداع الراقي،  وفرصة سانحة يتعرف من خلالها جمهور الفن على جماليات الإبداع التشكيلي الرحيب.

وفي معرض هذا العام، الذي افتتح، أمس، في صالة الاتحاد (صالة صبحي شعيب) وسط المدينة، وحمل عنوان “تحية إلى نيسان”، يلتقي نحو خمسة وعشرين فناناً ينتمون إلى مدارس فنية متنوعة وأجيال مختلفة، شاركوا في ثلاثة وثلاثين لوحة بأحجام وتقنيات مختلفة منها ما هو جديد ومنها ما هو نتاج سنوات خلت.

يمكن تقسيم المعرض إلى مدارس ومواضيع وتقنيات فنية متنوعة، أبرزها التسجيلية الواقعية المباشرة التي تنهل من الذاكرة البصرية، وما تمثله من دلالات جمالية، سواء في تجسيد التراث المعماري، كما يبدو في لوحات عدة تجسد البيوت والحارات القديمة بما تمثله من مخزون جمالي وعاطفي، وما يرتبط بها من عناصر وتفاصيل تمنح الموضوع التسجيلي والتعبير الجمالي حيوية وروحاً.

وهناك التسجيلية للطبيعة الريفية بما تمثله من عناصر متنوعة تتيح للفنان حرية ورحابة التعبير الجمالي كالماء والنباتات والتضاريس والسحب ودلالتها الرمزية المفعمة بالكثافة الحسية التي تغوص في عمق الوجود لتحض المشاهد على استنباط اللامرئي من خلال البحث في معاني المرئي، وقد اعتمدت على عناصر متناغمة في بعدها الوظيفي مثل المرأة بما تمثله كأنثى، أو كحالة اجتماعية تحتمل التجسيد والقراءة وفق وجهات نظر متباينة الرؤى ويمكن أن نلحظ أيضا التجريد والتعبير اللوني، والتكعيبية التي توظف الأشكال الهندسية ودلالاتها الحسية البصرية واللونية في اللوحة ضمن بناء متماسك يضفي عليها مشهدية بصرية ساحرة، كما نجد الطبيعة الصامتة وما تحمله من عناصر وتوزيع الضوء والظل والتناغم اللوني.

يمكن أن نتوقف في هذا المعرض عند قضية الخلق والنشوء في لوحة شذا عواد ورمزية التجسيد، أو نتمعن في سماء سميرة مدور الملبدة بالغيوم حيث التماهي اللوني بين الأزرق والأصفر يضفي عليها حالة من الهدوء والسكينة، وهناك التداخل بين الرمزية والتجريد في لوحة محمد ديوب يحيلنا إلى فضاء تراجيدي مفعم بالحزن، والتوظيف الجمالي للحرف العربي في لوحة بشرى ديوب تحد من وطأة عشوائية التوزيع اللون والتشكيل التجريدي العفوي.

وتستقر الفنانة محبة ليون عند شاطئ البحر حيث الأمواج تتلاطم مع الكتل الصخرية في حالة تعبيرية تقرأ فيها جمال المكان و مهارة التشكيل الموضوعي، ويمكن، أيضاً التوقف عند لوحة رزق الله حلاق التي يمزج فيها بين التسجيل البورتريه والرمزية والتكعيبية ضمن قراءة يشتغل عليها فنانون كثر حيث المرأة والطير والتوق إلى الانعتاق والتحرر إلى جانب مواضيع وتشكيل متنوع في معرض يتسم بغنى التجارب الفنية المهمة التي تشدد على ثبات فناني حمص ودوامهم على العطاء على الرغم من الظروف القاسية التي يمر فيها الفن التشكيلي بعد الحرب.