مالا.. يليق!
حسن حميد
أعرف، وتعرفون قرائي الكرام، أن الكائن البشري مثل النبات يعيش بالماء والهواء والضوء، ويميل مع الرياح، ويصلب عوده مع التجارب والخبرات وسنوات العمر التي تؤيده بالصواب ليتقدم نحو الجمال سعياً، مثلما تؤيده بالحذر والنباهة كي يتحيّد الأمكنة البليلة، والمواقف الباهتة!
وعدم النجاح، والإعاقات، والدروب الملتوية، والنوازع، والأنانية، وكراهية الآخر، وعدم القدرة على التعامل مع معطيات المحبة وجواذبها.. كلها أمور إنسانية، مثلما الأشواق المحلقات هي أمور إنسانية من أجل الظفر والنجاح والتطاول والريادة والشهرة والأضواء والحفاظ على الكبرياء والكرامة والنظافة عبر أذرع هذه الأشواق البادية ترسيماتٍ من القيم النبيلة السّامية!
ومن الممكن للدروب الملتوية الممسوسة بالعطب واللامحبة والأذيات الكبرى أن تبدو على الرغم من وصايا البيوت، والآباء، والمدارس، والمعلمين، ومساهرات الكتب والمدونات، وما ربخ فيها من نورانية العقول وشفافية الأرواح، وحين تبدو هذه الدروب الملتوية وقد احتشدت بأهلها تصير أحزان القيم مثل أحزان الدوالي وقد أُفرغت من عناقيدها وطيورها وخضرتها الداهشة!
أعرف أن القيل والقال حضر وتكاثر في جميع الأزمنة وبقاع الجغرافية، وأن الأنانية، والنفوس المريضة لا تريد خيراً لأحد، وإن لم تجد أحداً، فهي لا تريد الخير لنفسها لأن روح الشر صارت لديها ثقافةً ونزوعاً وسيرورة عيش، وصيغة واسمة للسلوك! وهذه النفوس الشاحبة التي تنقل الكلام، أو تعمل على الوشايات، وكتابات التقارير بحق الآخرين ليست فئات أو شرائح اجتماعية بعينها، وإنما هي موجودة فيها جميعاً، ومع ذلك فإنني أستغرب كثيراً أن يقوم بهذا الدور المتهافت والبخس العارفون بالأدب والثقافة والعلم ولأجل غايات ضررها بالآخر كبير، وكبيرٌ جداً، مع أنني قرأت، مثل غيري، قولة الزعيم الاشتراكي لينين بأن أكثر الشرائح الاجتماعية قدرة على الخيانة، خيانة الآخر، وخيانة القضايا الكبرى، وخيانة الأوطان هم المثقفون لأنهم أكثر الشرائح الاجتماعية قدرةً على (التبرير)!
أقول هذا، وأنا أظنُّ أن مثقفاً أو أديباً ابن عشرين سنة أو ثلاثين أو أربعين أو خمسين سنة قد يكتب إخباريات الأذى تجاه الآخرين للحط من قيمتهم وشخصهم وتجاربهم، وهذا ظنٌّ، لأن هذا المثقف الأديب (في مثل هذا العمر) ما زال يبني نفسه، ويرفع عمارته الأدبية، ويجرّب، ومن حقه أن يغلط! لكن أن يقوم أديب أو مثقف في الثمانين من عمره بمثل هذا الدور للوشاية بالآخرين وإفساد حياتهم أو زلزلة قناعات الآخرين بهم، فهو لعمري الاستهجان كلُّه، والغرابة كلُّها، لأن السؤال المرُّ الذي يجول في لهاتي هو: ما الذي ينتظره أديب أو مثقف من الأدب والثقافة بل من الحياة.. وهو في عمر الثمانين! وهل تخطته معاني الحياة على هذا النحو المفزع حتى إنه ما زال يجرب، ويدفع الآخرين بيديه وصدره وقدميه كي يبتعدوا من طريقه أو أمامه، وقد تكون قولاته حقاً حين يتحدث بها جهراً وأمام الآخرين، وأمام أصحابها، لكن حين تصير قولاته وشاية وأذى.. فهي ليست من الحق في شيء، وتصير غاياتها حامضية!
إنه سلوك غير إنساني وغير أخلاقي ولا يليق بالأديب والمثقف لأنه وقوف في المواضع الرخوة والعاتمة معاً! كما لا يليق مثل هذا التصرف الأخرق بالثقافة والأدب، ولا بشريحة المثقفين والأدباء، لأن هذا يعني الخيبة الكبيرة بمن قلنا عنهم يوماً، ونقول: إنهم حراس القيم، وحراس الضمير!
Hasanhamid55@yahoo.com