“حوكمة” تقاريرنا..!؟
على خلاف الدارج من تقارير..، فإن تطوير إطار موحّد لإعداد التقارير الحكومية يتضمن مبادئ عامة مرنة، أصبح مطلباً مهماً اليوم لتحقيق ما نصبو إليه من رؤى، وأيضاً لتحقيق حوكمة اقتصادية مطلوبة محلياً قبل أن تكون عالمية، وبأعلى مستويات الشفافية والحوكمة الرشيدة في جميع القطاعات. ولأن الحوكمة الرشيدة بجميع أنواعها ومستوياتها تنص على أهمية التقرير، فلا بد أن يكون للجهات والمؤسسات تقارير واضحة تتواصل من خلالها مع جميع المستهدفين من أصحاب المصلحة الحقيقيين والرئيسيين.
وعندما نشير إلى التقرير وأهميته هنا، فهذا يشمل “فعل” التقرير وعملية إعداده حتى المسؤولية والمحاسبة عنه، وخاصة أن المتطلبات الدولية تهتم اليوم بشكل واسع بقضايا الحوكمة الاقتصادية، ما يعني أن تقارير الجهات الحكومية في مجملها يجب أن تقدم تواصلاً صادقاً يمكن الوثوق به عن إدارة الاقتصاد وتوجهاته، ولهذا يجب أن تكون كل جهة حكومية ملتزمة بمعايير دقيقة عند إعداد تقريرها.
ولتحقيق معاني ومفاهيم الحوكمة الاقتصادية في التقارير الحكومية، فإنه يجب أن تتم عملية إعداد التقرير وفقاً لمعايير تخضع لها جميع الجهات، وهذا سيضمن أموراً مهمة جداً، أولها القابلية للمقارنة، فالتقارير التي يتم إعدادها وفقاً للإطار نفسه تكون قابلة للمقارنة فيما بينها، كما أن المقارنة بذاتها تحقق الشفافية المطلوبة.
وعلى هذا فالالتزام بإطار موحد لإعداد التقارير الحكومية يرفع من مستويات الشفافية التي هي مطلب أساس في إعدادنا لخططنا ورؤانا المستقبلية، لذلك أصبح التطوير في التقارير ملحّاً. ربما يكون في أنظمة الحكومة نص مفاده أن على جميع الوزارات والأجهزة الحكومية الأخرى أن ترفع إلى رئيس مجلس الوزراء خلال مدة معينة من بداية كل سنة مالية، تقريراً عما حققته من إنجازات مقارنة بما ورد في الخطة العامة للتنمية خلال السنة المالية المنقضية، وما واجهها من صعوبات وما تراه من مقترحات لحسن سير العمل فيها.
إلا أن ذلك النص -إن كان هو ما نقصده- لا يمثل إطاراً يحقق مفاهيم الحكومة الاقتصادية، كما أنه لا يحقق القابلية للمقارنة بين الجهات الحكومية، ولا يوفر شروطاً عامة يجب الالتزام بها، لكنه كأساس نظامي كافٍ لتبرير الطلب على بناء إطار لإعداد التقرير الحكومي.
ولعل أهم مبادئ إعداد التقرير في مختلف الجهات هو الثقة بالمعلومات الواردة في التقرير، وهذا لا يتحقق بمجرد أن تعلن الجهة الحكومية تقريرها، إذ إن الممارسات الحالية تشير بكل وضوح إلى أن إعداد التقرير يتم بصورة غير منضبطة، وتقوم به “إدارة العلاقات العامة” كجزء من مهامها الإعلامية..!.
فالتقرير يذهب إلى تقديم صورة “إعلامية جميلة” عن الجهة الحكومية، وهذا لا بأس به لكن الموضوعية في التقرير قد تتعرض للخلل بسببه، وعليه لا بد أن يكون للمسؤولين عن الجهة الحكومية (الوزير ومعاونيه وغيرهم أو مجلس الإدارة في جهات أخرى)، مشاركة فاعلة في إعداد التقرير، من حيث تخصيص اجتماعات لدراسة التقرير (دراسة ومحاسبة وليس عرضاً) والتأكد -بل حتى الإقرار في صفحة مستقلة من التقرير- من أنه بشكله العام يصف صورة صحيحة عادلة عن أعمال الجهة الحكومية وأنشطتها ومواردها، حيث إن هذه المسؤولية عن إعداد التقرير مهمة جداً، لأنها تضع المسؤولين في الجهة الحكومية تحت ضغط الإقرار السنوي بشأن استخدام الموارد وما ورد في التقرير من إنجازات وغيرها ويقع عليهم عبء العمل السنوي.
ومن المبادئ المهمة جداً في إعداد التقرير الترابط بين المعلومات فيه، فالفكرة الأساسية في أي تقرير لأي جهة أنه يمثل التفكير الجماعي فيها، ويعكس بوضوح عمل إداراتها الجماعي لتحقيق هدفها، ولهذا فإنه (إذا تم إعداده في أفضل حالاته) سيعكس الترابط بين هذه الإدارات، فالإدارة الفاعلة المتوازنة تظهر في شكل تقرير متوازن مترابط بين المعلومات والعلاقات، ومن مظاهر هذا الترابط في التقرير الارتباط والترابط بين المعلومات.
ولأن الترابط بين المعلومات يضمن المقارنة بين السنوات والفترات وبين المؤشرات والأداء الفعلي، لذلك يجب أن تقرأ المعلومات في سياق الترابط بينها، وهذا يتطلب أمراً في غاية الأهمية وهو الاتساق والثبات عند إعداد المعلومات، فلا تظهر المعلومات في فترة وخانة مختلفة عنها في أخرى، فذلك يُفقد المعلومات ترابطها وبالتالي يفقد المتابعين والمحللين قدرتهم على المقارنة، ما يُفشل التقرير..، وما بعد التقرير..!؟.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com