اقتصادصحيفة البعث

مواطن جشع ولكن..!

 

تنتاب المواطن السوري هذه الأيام هواجس متناقضة لجهة ما تنعم به البلاد من أمطار وثلوج أثلجت الصدور وأنعشت الأمل بموسم زراعي وافر، وبذات الوقت ضغطت خيرات السماء على المواطن لدرجة بات يتمنى انقضاء المنخفض الجوي بأسرع وقت نظراً لتدهور واقع البنى التحتية غير المؤهلة لأي تغيير مناخي، ولتدني مستوى الخدمات الحكومية ولاسيما الكهرباء وانسياب المحروقات..!
في خضم هذا المشهد المتناقض تتعالى بعض الأصوات التي تعتبر المواطن بمنزلة سد لانسياب هذه الخدمات والسلع، فوزارة النفط –وفقاً لمزاعم هذه الأصوات- لم تدخر جهداً لتوفير مادتي الغاز والمازوت، لكن جشع المواطن وسعيه لاقتناء أكثر من أسطوانة غاز هو من سبّب الأزمة..!. متجاهلة هذه الأصوات أن مسارات أسواقنا بدأت تنذر بشؤم لن يطال جيوب المستهلك وحسب بل يتعداها لراحة باله، فلم يعد ارتفاع سعر أسطوانة الغاز – على سبيل المثال – يقض مضاجعه، وإنما استحالة الحصول عليها بالسعر الرسمي، وكذلك الأمر بالنسبة للمازوت، علماً أن السوق السوداء زاخرة بهاتين المادتين..!
كما أن جشع الأخير أيضاً –وفقاً لتلك الأصوات- هو من يسبب الازدحام الحاصل على الأفران، لأنه لا يكتفي بقوت يومه..!
ولا تتوانى هذه الأصوات بالقول: طالما اجتهدت الوحدات الإدارية باتجاه تحسين الطرقات وأعمال النظافة، لكن المواطن من لا يلتزم بركن سيارته بالمواقف المحددة، ولا يأبه التقيد بمواعيد وأماكن رمي القمامة..!.
ونرد على هذه الأصوات: ربما يتحمل “المواطن الجشع” جزءاً بسيطاً من المسؤولية، لكن انعدام ثقته بأداء المفاصل الحكومية المسؤولة عن تأمين خدماته، هو من حرف سلوكه، لدرجة بات لسان حال الكثيرين يقول: إنه وفي ظل وجود بعض المرتكبين من التنفيذيين المؤتمنين على قوت العباد والبلاد، لو استطعنا تخزين الكهرباء والهواء لفعلنا، وبالتالي لا ضير باقتناء أسطوانة غاز احتياطية تقينا نسبياً شر الانقطاعات غير المبررة لهذه المادة، وإذا ما استمر الحال على ما هو عليه فلربما نفتقد الماء..!.
من الآخر.. لقد كشفت الأزمة الحالية فقداننا للخطط والبرامج البديلة والكفيلة بالحد من تداعيات أزمات محتملة الوقوع على أقل تقدير وليس إلغاءها، وثبت أن حكوماتنا –السابقة والحالية- تقف عاجزة عن إيجاد الحلول لتداعيات أية أزمة نتيجة افتقادها للبدائل أيام الكرب، متذرعة بشماعة الظروف الاستثنائية والطارئة وعدم تجاوب المواطن وتكيّفه مع ما يعترينا من محن، وكأن دورها –أي الحكومة- يتوقف لحظة تعرض البلاد والعباد لأية هزة ولو عابرة..!
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com