ماذا لو كنت مسؤولاً؟!
سؤال جدلي نطرحه على الجميع بقصد التحريض على نبش كوامن النفس البشرية من أهواء وطموحات خاصة لدى الحالمين بتسلم منصب ما، ليعرف كل منهم مدى إمكانية تطويع ذاته، تفادياً لإغراءات هذا المنصب وتحقيق ما عجز عنه المتولي له حالياً، ولجمها عن الانسياق وراء مغرياته وتحقيق ما تصبو إليه من أهواء.
من الأجدى أن تكون الإجابة عن هذا السؤال ضمنية بين القارئ وذاته كي تكون منطقية وموضوعية، لأن الإجابة العلنية لن تخرج في غالب الأحيان عن سياق «البروباغندا» والتبجح بالنزاهة أمام الرأي العام، فكل واحد منا يستطيع وبدقة تحديد مآربه من وراء ما يطمح إليه!.
عندها يمكن أن يحدّد المجيب عن هذا السؤال فيما إذا كان ناقداً بناءً لأي مسؤول مقصر، أو أنه ينتقد لمجرد النقد، وربما يكون نقده ناجماً عما يسكنه من حسد لما يتمتع به هذا المسؤول أو ذاك من نعم بغض النظر إن كانت مشروعة أو غير مشروعة!.
هذا يقودنا للحديث عن جدلية “هل المنصب تكليف أو تشريف”، فلو كان المنصب عندنا قائماً بالأساس على التكليف فقط، كما هو حاصل في بعض الدول المتقدمة حيث نسمع عن استخدام الدراجات الهوائية وسيلة نقل لكبار المسؤولين أو تخصيصه بسيارة واحدة في أحسن الحالات، أو مثول أحد الوزراء أمام القضاء في حال استخدام سيارته المخصصة له من قبل الحكومة لأغراض شخصية، أو ربما قد يحاسب في حال تأخره عن موعد اجتماع له علاقة بالشأن العام، وغير ذلك من هذه الأمور التي قد تعد من “الصغائر” عند الآخرين، في حين أنها غير موجودة بالأصل في قاموس فهمنا للمنصب كحالة قيادية للشأن العام وتنفيذ مقتضيات المصلحة العامة.. فلو كان أساس المنصب عندنا هو التكليف لما شكل هاجساً لدى سوادنا الأكبر!.
ويا ليته اقتصر على التشريف فحسب، بل تمادى إلى التعدي على المصلحة العامة لحصد القدر الأكبر من الامتيازات غير المشروعة، لدرجة أضحى النزيه والشريف شاذاً، والمرتكب والمتواطئ طبيعياً!.
ويعود سر هذا المشهد الحالك السواد إلى غياب –أو تعطيل أو تواطؤ- الأجهزة الرقابية، التي باتت أقرب ما تكون لحالة بروتوكولية في الكيان الحكومي، والأدهى أنها غالباً ما تُفعّل لاجتثاث صغار المرتكبين، وتلجم عن ردع الكبار منهم!.
أيها الحالمون.. حددوا إجاباتكم بدقة بينكم وبين ذاتكم .. واعذروا المنصّبين.. فالمنصب في بلادنا بقرة حلوب من نوع خاص!.
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com