جولة جديدة من المتاجرة بالدم
لا يريد الغرب أن يرى أو يسمع إلا ما يروق له سماعه حول الوضع في سورية.. جلسات طارئة في مجلس الأمن وتصريحات لقادة أوروبيين وأمميين تعكس ازدواجية وقحة في المعايير مارسها هؤلاء طوال سنوات الحرب عندما شكّلوا فريقاً واحداً موحّداً وخط دفاع أول عن التنظيمات التكفيرية التي بُدلت أسماؤها وراياتها ولبوسها مراراً وتكراراً كلما دعت الحاجة أو انفضحت جرائمها وتكشّفت مشاريعها أو حاولت الخروج عن النص المكتوب لها في “تل أبيب” والبيت الأبيض.
الغوطة الشرقية عنوان عريض تصدر نشرات أخبار ميديا الخليج خاصة، ومحور الحرب بالمجمل، مرفق بأفلام هوليودية، كالتي شاهدناها في حلب ومناطق أخرى، ليتبيّن أنها صوّرت من أصحاب الخوذ البيضاء المرتبطين بـ “النصرة”، وبالمخابرات البريطانية أساساً، واستخدموا في تنفيذها مواطنين اتخذتهم “معارضة واشنطن المعتدلة” دروعاً بشرية تحت تهديد السلاح لإكمال المشهد والمتاجرة به والمساومة عليه في الأمم المتحدة ومجلس الأمن لاستدعاء التدخّل الخارجي وإبقاء الدولة السورية والحلفاء تحت الضغط، من جهة، وتشويه سمعة الجيش السوري، المحارب الأول للإرهاب، والمدافع عن السيادة والشعب الذي ابتلي بسرطان الإرهاب، من جهة ثانية.
إذن هي جولة جديدة من النفاق والاستثمار بالحاجة الإنسانية حيث يخشى محور الحرب على حياة ( 400 ألف) محاصر في الغوطة الشرقية، حسب أرقامه!، ويطالب بإدخال المساعدات العاجلة، وبوقف فوري لإطلاق النار من جانب واحد، وكالعادة، من جانب الجيش السوري، لكن ماذا عن حياة أكثر من 8 ملايين مواطن يعيشون في دمشق وريفها، يستشهد العشرات منهم وتدمّر ممتلكاتهم كل يوم بفعل القصف اليومي بقذائف صاروخية حاقدة، وماذا عن أهلنا في عفرين الذين يتعرّضون منذ أكثر من شهر لحرب إبادة من نظام أردوغان، والذي لم يترك سلاحاً إلا واستخدمه، بما فيها الكيميائي؟! سلسلة طويلة من التساؤلات يطرحها السوريون على الغرب “المتحضّر” ولم يجبهم أو يكترث بها أحد من هؤلاء الذين يدّعون تقديس حق الإنسان في العيش والتنقل بحرية وممارسة حياته اليومية.
حقيقة الأمر أن الغرب هو من أوعز للمرتزقة في الغوطة الشرقية وغيرها لخرق اتفاق مناطق تخفيف التوتر، وبقيت الدولة السورية تتعامل مع انتهاكات “المعارضة المسلحة المعتدلة”، حسب المصطلح الأمريكي ، بسياسة النفس الطويل، وعملت على ملاقاة كل الجهود الخيّرة للتوصل إلى تسوية للتخفيف من حجم الدمار، انطلاقاً من حرصها على دماء من تتخذهم التنظيمات التكفيرية دروعاً بشرية، وكذلك الذين يعيشون في المناطق الآمنة، ويعانون يومياً من القتل العشوائي، دون تفريق بين مسن وطفل وطالب علم.
نعم، موقف الغرب مما يجري في الغوطة نسخة فوتوكوبي عمّا حدث عندما اتخذ القرار بتخليص حلب من الإرهاب، وهو الأمر الذي سارع دي ميستورا لتلقفه، وأعرب عن خشيته من أن تتحوّل الغوطة إلى حلب ثانية، وهنا لابد لنا أن نذكّر المبعوث الأممي الذي يفترض أن يكون وسيطاً نزيهاً ومحايداً، بأن أهالي حلب عادوا إلى منازلهم التي طردتهم منها ذات المجموعات التي يدافع عنها اليوم، ورمموا المصانع التي سرق معداتها أردوغان، وتخلّص كل الأهالي ثانياً من الحصار والتجويع والعطش الذي كان يفرضه عليهم مرتزقة الناتو والتكفيرية الوهابية. وعليه فإن لسان حال السوريين يقول: نتمنى أن تتحوّل الغوطة الشرقية إلى حلب ثانية لتعود الحياة الطبيعية لأهلها الذين ينتظرون في مراكز الإيواء بفارغ الصبر للعودة إلى منازلهم، وأرضهم الطيبة لزراعتها..
القرار اتخذ بتطهير خاصرة دمشق من الإرهاب، والجيش السوري لم يدخل منطقة إلا واستعادها، مهما كان حجم التجييش والضغط الخارجي، وما النصر سوى مسألة وقت لا أكثر.
عماد سالم