من قصّة خرافيّة إلى تراجيديا
يَعرف سادة المسرح كيف يرسمون الابتسامة على وجهنا ثم كيف يمسحونها. لينقلونا بتناغم تام بين حالات متناقضة من الإدراك ورد الفعل، من الضحك والسعادة إلى الحسرة، دون أن نشعر بهذا التحول النفسي وكأنهم سحرة، فنرى كيف تتحول الكوميديا إلى مأساة.
وأفضل مثال يضرب على هذا الإمتاع، ما أبدعه جورج بَلانشين عام 1972 (أب الباليه الأمريكية، ومن مؤسسي أشهر مسرح باليه في أمريكا، بقي مسؤولاً عن الإخراج المسرحي فيه لأكثر من 35 عاماً) عندما قدّم النسخة النهائية من باليه “قبلة الجنية” (باليه بفصل واحد وأربعة مشاهد ألفها الموسيقي الروسي الرائع إيغور سترافينسكي عام 1928 وكتبها أوّل مرة مسرحياً بَلانشين عام 1950 واستمرّ بالتعديل عليها).واليوم يعاد إحياءها في جولة على كبريات المسارح الأوروبية.
تبدو هذه الباليه بلا حبكة، كمهرجان رقصٍ لرجل وامرأة برفقة فيلق من راقصات الباليه يملأن خشبة المسرح لزيادة الروح الاحتفالية.
إنه حفل زفاف، يحتضن الرجل زوجته برقصة تخطف الأبصار، ولكن هل يظهر الزوجان علامات على البعد كما الحميمية في العلاقة؟ نعم ولكن من السهل أن نغفل عنها. وهل هناك علامات لصراع داخلي للبطل عندما يرقص وحده؟ بالتأكيد، ولكنها تمر أيضاً.
إدراكنا لهذين التساؤلين يسهل علينا الانتقال إلى النهاية، حيث يتغير كل شيء على خشبة المسرح. يصبح مشهد احتضان البطل للبطلة وداعيّاً بمشهدٍ غاية في الفلسفة، يدفع البطل زوجته بعيداً كحبيب يعتريه اليأس ويقوده مصيره حيث لا يريد أن يذهب. ويعود فيلق الباليه ليتجه مباشرة للعشاق ويفصلهما مراراً وتكراراً، يشكل ما يشبه طرقات الغابة، يمشي عليها البطل والبطلة ببطء وبمسارات منفصلة، ليبحثا عن بعضهما البعض بلا جدوى.
وكما يقول كاسيوس لبروتوس في مسرحية شكسبير الشهيرة كليوبترا “الخطأ.. ليس في أقدارنا ولكن في أنفسنا” كذلك فعل بَلانشين عام 1974، عندما فرّق العشاق بسبب طبيعتهم الخاصة. لتنتهي الباليه مع انفصال الرجل والمرأة وهما يتطلعان إلى الجنة بأذرع ممدودة.
سامر الخيّر