العض ع “الشفة”!
قد يختلف فهم الناس لهذا الإيحاء الذي يُستخدم في مواقف كثيرة وتختلف طرق وأساليب ترجمته تبعاً للحالة التي يعبّر عنها الشخص، وحتى لا يغرق خيال البعض في الأحلام، وكي نبقى ضمن دائرة النوايا السليمة سنفكك شيفرة (الشفة المعضوضة) داخل المكاتب الوظيفية التي تدرج نشوتها تحت بند (طعمي الفم تستحي العين)، إذ اعتاد المواطن على استقبال هذه الإشارة التي تغازل قضيته وحاجته مهما كانت، لتجرّ فيما بعد إلى موعد حتمي داخل الأدراج المفتوحة التي تبتلع آلاف الليرات يومياً، سواء لتسهيل المخالفات وتمريرها أو للقيام بالعمل والمهمة المطلوبة من الموظف، حتى ولو كان ذلك ضمن الأنظمة والقوانين!.
طبعاً إزاحة الستارة أو الغطاء عن مخالفات الموظف الحكومي على اختلاف المستويات تكشف لنا مدى خطورة الواقع الذي يعيش حالة من الفوضى والعشوائية، في ظل المواجهة الساخنة التي تدور رحاها بين الفهم الشعبي الجديد للمخالفات، بما في ذلك الاجتهادات الشخصية والتفسيرات القانونية التي تحاصر روح القانون وتمنعها من تحقيق الهدف الذي وجدت من أجله، وبين القوانين والأنظمة التي حرفتها الأجهزة الوظيفية التنفيذية عن مسارها دون وجه حق وبشكل تغيب معه صحة التوجّه وصوابية الرؤية القانونية للمشرّع الذي يعمل ويسعى من خلال قانونه إلى ردم الفجوات، وتجاوز الأخطاء المتراكمة وحلحلة العقد، وإنصاف الناس الذين يطرقون الأبواب بحثاً عن حقوقهم المطمورة بين مئات القوانين والتعاميم والبلاغات المنزلقة في نفق عدم التطبيق.
ويمكن تعميم هذه الحال على جميع القضايا التي لها علاقة ببعض موظفي الدولة الذين يمتهنون تجارة القانون، بمشاركة ومساهمة من الناس الذين باتوا أكثر التصاقاً بمنظومة (الشطارة) التي حلّت مكان مصطلح (الفساد)، في مجتمع يعاني بعضه من انفصام أخلاقي واجتماعي وقانوني مخيف بعد أن استفحلت فيه المخالفات لدرجة أن كل مراجع لأي جهة حكومية لديه قناعة بأن قضيته لن تمر إلا بعد دفع فاتورة غياب سلطة القانون، وبشكل أصبحت معه جميع الخدمات مأجورة لصالح المنفعة الذاتية على حساب سمعة العمل المؤسساتي وعلاقة المواطن وثقته بالمؤسسات الحكومية.
ولا شك في أن الاستمرار في مشروع تجميل الكثير من المخالفات والممارسات وتبريرها بالظرف المعيشي وضعف الدخل الوظيفي، يشكّل غطاءً شرعياً لممارسات الموظف الخارجة عن سلطة القانون وضد مصلحة المواطن والمؤسسة التي يعمل فيها.. ولا شك أن اعترافنا بكثرة القوانين التي تنظم يوميات الناس بجميع تفاصيلها يقابله الإصرار على أن العبرة تبقى في التطبيق والقدرة على لجم المخالفات أياً كانت.
بشير فرزان