فجوة
بشرى الحكيم
انتقلت رواية “واحة الغروب” لبهاء طاهر إلى عالم الدراما في عمل حمل ذات الاسم، بإنتاج ضخم وأسماء فنية كبيرة لها تاريخها الفني وأجواء حاولت أخذ المشاهد إلى عالم الرواية الساحر، وجهد كبير وواضح لمقاربتها وملامسة روحها، الرواية التي حازت جائزة البوكر في العام 2008، تعرض أحوال البلاد وأحداثاً هامة جرت خلال القرن الماضي وبداية الاحتلال البريطاني لمصر، وتروي حكاية الضابط المتمرد دائما؛ محمود عبد الظاهر حيث يتم إرساله إلى واحة سيوة عقاباً له إثر شكوك دارت حول الأفكار التي يحملها ويصرح عنها، والتي تتطابق مع فكر جمال الدين الأفغاني والزعيم المصري أحمد عرابي، وهناك في الواحة البعيدة حيث اصطحب الضابط زوجته الأيرلندية ببشرتها البيضاء وشعرها الأحمر وفضول يتملكها؛ إذ هي شغوفة بالآثار والتنقيب عنها، الأمر الذي يراه أبناء المنطقة يهدد خصوصياتهم والكنوز والخرافات التي يحرصون عليها، فيواجه الاثنان غضبهم غربيين وشرقيين على السواء، والرواية بالذات يدرجها العارفون ضمن سلسلة من الأعمال الأدبية ذات الشأن سواء من حيث متطلبات العمل الأدبي والتاريخي، إضافة إلى أن صاحبها استطاع أن يبنيها بطريقة ساحرة عبر فصول وأحداث لا يمكن لقارئها أن ينساها، إذ هي آسرة تشعل خياله وتأخذه في عالم غني من الأحاسيس والمشاعر والألوان في صحراء لا تلونها سوى الرمال، وهو الأمر الذي لا يسهل نقله إلى الدراما. وبرغم أن العمل استطاع الاقتراب بشكل كبير من هذا العالم الساحر، لكنه قصر عن محو الصورة التي ارتسمت في الخيال عبر القراءة. عمل درامي آخر حاول نقل عمل روائي هام إلى الشاشة ويعرض الآن على فضائية خليجية، يحمل اسم “أبناء القلعة” وهو اسم رواية للكاتب الأردني زياد قاسم والتي تعتبر من أعظم الروايات التي عملت على تصوير واقع مدينة عمّان وتحركات الصهيونية في بداياتها، دوّن الكاتب عبرها حركة الناس وتطور المدينة بشكل دقيق، وأغرق في رسم تفاصيل شخصيات مجتمعها بانتماءاتهم المختلفة. جهد من نوع آخر لم ينتج سوى عمل بشخصيات باهتة وسطحية بعيدة كل البعد عن روح الرواية التي تعتبر من أعظم الروايات في المنطقة العربية، فجاءت المَشاهد أقرب إلى “الرسوم التوضيحية في كتاب مدرسي”.
في العملين محاولة وجهد “جدي أو اعتباطي” لكنه في الحالين، كان قاصراً عن التمكن من إدخال المُشاهد إلى دائرةٍ رسمها الكاتبان حيث عاش واحدهما مع شخصياته وتابع تحركاتها اليومية وغاص في الأفكار التي تدور في رؤوسها، ما لا يدع الفرصة للقارئ لالتقاط أنفاسه وهو ما افتقر له العمل الدرامي.
الأمثلة كثيرة على أعمال درامية حاولت تجسيد الرواية على الشاشة سواء كانت تلفزيونية أو سينمائية ومنها عالمية، ورواية “طيور الشوك” بأجزائها الثلاثة كانت واحداً منها لكنها ما استطاعت التغلب على الصورة التي ارتسمت في ذهن من قرأها أولاً. وكأنما الحال صراع ما بين اثنين من جهات الإبداع تثبت فيها الرواية قدرتها وامتلاكها أسرارها وسحرها الخاص الذي يجعلها عصية على غالبية محاولات تجسيدها صورة تراها العين والتي تظلم العمل المكتوب، بينما الخيال قادر على الوصول إلى ما هو أعمق مما يبث على الشاشة، أو هو فجوة يمكن لها أن تضيق أو أن تتسع، لكن لا يمكن ردمها بالكامل.