بيتكويــن أداة نهـــب جديـــدة أم مجـــرد فقاعـــة؟
هيفاء علي
يشهد العالم في أيامنا هذه أسرع انتشار لثورة معلوماتية شهدتها البشرية وأكبر تطور تكنولوجي ومعلوماتي غزا كافة مناحي الحياة، حيث غدت زيادة حلقات التواصل بين الأفراد والمجتمعات تتم بشكل أسرع وأسهل، وبدأت البنوك الالكترونية تنتشر على الانترنت، وغدا لها تأثير كبير في مجريات الأمور المالية، وسطوة على المعاملات المالية على الانترنت.
في صباح الثالث من كانون الثاني 2009 ظهرت للوجود عملة الكترونية جديدة لم تعهدها البشرية من قبل هي عملة بيتكوين، وهي عملة افتراضية فيزيائية مشفرة تشبه إلى حد ما العملات المعروفة كالدولار واليورو، لكن التعامل بها هو على الأنترنت فقط، وليس لها أي وجود مادي ولا يمكن تتبع عمليات البيع والشراء التي تتم بها ولا حتى معرفة صاحب العملات، كما تختلف عن العملات التقليدية بعدم وجود هيئة تنظيمية مركزية تقف خلفها، لكن يمكن استخدامها كأي عملة أخرى للشراء عبر الانترنت وحتى تحويلها إلى العملات التقليدية.
ويقول القائمون على “بيتكوين”: إن الهدف من طرحها هو تغيير الاقتصاد العالمي بنفس الطريقة التي غيرت بها شبكة الأنترنت أساليب النشر، ويقال: إن “ساتوشي ناكاماتو” بدأ العمل على مبدأ “بيتكوين” منذ عام 2007 في اليابان، وأن مصطلح “ناكاماتو” هو اسم مستعار ينتحله العديد من الأشخاص غير المعروفين، إلا أنه تم مؤخراً الإعلان رسمياً عن اسم مؤسس البيتكوين وشخصيته الحقيقية وهو “كريج رايت”.
ولقد جرى تأسيس سوق بيتكوين كبورصة للعملة في شهر شباط 2010 وحدث أول تعامل عالمي حقيقي باستخدامها عندما تم دفع 10000 بيتكوين مقابل الحصول على بيتزا وكان سعر الصرف لشراء البيتزا حينها 25 دولار.
ويعد “هال فيني” من أوائل المؤيدين والمساهمين في بيتكوين وهو أول من تعامل بها حيث قام بتحميل برمجيات موقع بيتكوين في نفس اليوم الذي صدر فيه وتلقى 10 عملات من ناكاماتو في أول معاملة بهذه العملة الجديدة في العالم.
في الأيام الأولى، كان ناكاماتو يمتلك مليون قطعة من بيتكوين، إلا أنه قام فيما بعد بتسليم المقاليد إلى المطور غافن أندرسون الذي أصبح مطور بيتكوين الرائد في مؤسسة بيتكوين.
ولقد طرحت فكرة “بيتكوين”كورقة بحثية من قبل”ساتوشي” الذي وصفها بأنها نظام نقدي الكتروني يعتمد في التعاملات المالية على مبدأ الند بالند، أي التعامل المباشر بين مستخدم وآخر دون وجود وسيط، حيث تذهب النقود من حساب مستخدم إلى آخر بشكل فوري ودون وجود أي رسوم ودون المرور عبر أية مصارف أو جهات وسيطة، ما يجعل منها فكرة محببة ورائجة لدى كل المدافعين عن الخصوصية أو العاملون في تجارة المخدرات عبر الانترنت، وعلى عكس العملات التقليدية التي تكون عادةً مدعومة بأصول معينة مثل الذهب أو العملات الأخرى ، يتم دعم وإنتاج عملة “بيتكوين” من قبل المستخدمين أنفسهم، أي كل من يرغب في التعامل مع هذه العملة الرقمية.
كيف نحصل على العملة؟
الطريقة الأساسية للحصول على عملة بيتكوين هي عملية التعدين التي تشبه عملية استخراج الذهب بالحفر والتنقيب في المناجم، لكن في عملية تعدين البيتكوين، يتم استبدال أدوات الحفر بأجهزة الكمبيوتر وكلما زادت قدرة الجهاز على المعالجة، زادت قدرته على استخراج العملات بشكل أسرع، ويتم استبدال منجم الذهب ببرنامج لحل معادلات معقدة تحمل في طياتها أكواد العملات، ومن يجد رمز “كود” العملة تصبح هذه العملة ملكه.
يتم توزيع هذه المبالغ الموجودة في السوق وفق “خوارزمية معينة” بحيث لا يمكن أن تصل القيمة الكلية لعملات “بيتكوين” لأكثر من 21 مليون بيتكوين، كما يحصل المستخدمون أصحاب قوة المعالجة الأعلى على الحصة الأكبر لتتناسب مع مدى إنتاج أجهزتهم من العملات، وإذا كان ينظر لهذه العملة في بداياتها على أنها وسيلة لغسيل الأموال والاتجار بالمخدرات، فقد أصبحت في الآونة الأخيرة متداولة في حفلات العشاء التي تقيمها الطبقات الوسطى وغدت حديثاً رائجاً وصل إلى حد تقييم أسعار المنازل حسب العملة الالكترونية، كما أن هناك إعلانات في مترو لندن تقترح طرقاً للاستثمار بها.
صرف بيتكوين كعملة حقيقية
على الرغم من وجود مجموعة محدودة نسبياً من المواقع التي تقبل استقبال دفعات “بيتكوين” لقاء منتجاتها وذلك مقارنةً بالمواقع التي تتعامل بالعملات التقليدية، إلا أنها تحظى بدعم مجموعة كبيرة من المواقع، من بينها شركات ومؤسسات كبيرة ومتنوعة مثل مواقع بيع خدمات الاستضافة وحجز أسماء النطاق والشبكات الاجتماعية ومواقع الفيديو والموسيقى والمواقع المتنوعة التي تبيع مختلف أنواع المنتجات.
وبالإضافة إلى شراء المنتجات، يستطيع المستخدم تبديل قطع “بيتكوين” النقدية الموجودة لديه بعملات حقيقية أخرى، إذ تتم عميلة المبادلة بين المستخدمين أنفسهم الراغبين ببيع مبالغ “بيتكوين” وشراء عملات حقيقية أو العكس، ونتيجة لذلك تمتلك “بيتكوين” سعر صرف خاص بها ويتجه هذا السعر إلى الصعود حيث وصل إلى 120 دولار بعد أن كان يعادل بضعة دولارات فقط قبل عامين.
تطور العملة:
عام 2008 قام ساتوشي ناكاماتو بإطلاق أول موقع و”دومين” باسم “بيتكوين دوت أورغ” وعام 2009 تمت الصفقة الأولى لعملة بيتكوين بين ساتوشي وهال فيني بمبلغ 100 بيتكوين، ومن ثم تم الإعلان عن إنشاء موقع جديد ونشر أول سعر تداول بين هذه العملة والدولار، وعام 2010 اشترى لازلو هانيتش بيتزا بـ 10000 بيتكوين وتم إنشاء منصة لتبادل البطاقة التجارية وأصبحت أكبر موقع لتبادل العملة.
في عام 2011 ارتفعت قيمة البيتكوين لتكافئ الدولار ثم اليورو، واهتمت وسائل الإعلام بهذه العملة لترتفع قيمة بيتكوين إلى 31 دولار، وفي 23 كانون الأول 2011 قدم دوغلاس فيغيلسون من شركة “ بيتبيلز” طلباً للحصول على براءة اختراع من أجل إنشاء واستخدام العملة الرقمية في مكتب الولايات المتحدة للبراءات والعلامات التجارية، وفي عام 2012 تم إنشاء مؤسسة لتوحيد هذه العملة وحمايتها، وقام البنك المركزي الأوروبي بنشر تقرير مفصل عن العملات الافتراضية، وفي عام 2013 تجاوزت العملة حد ألف دولار في الولايات المتحدة وساد القلق البنوك المركزية في بعض الدول مثل فرنسا والهند التي أصيبت بالذعر، ما دفع البنك المركزي الهندي بدوره لإجراء اتصالاته حول العملات الافتراضية، ومع نهاية 2013 سمحت شركة آبل بتداول العملة عبر تطبيقاتها.
في عام 2014 أصبحت شركة “أوفر ستوك” أكبر شركة تقبل البيتكوين لبيع التجزئة على الانترنت، وقررت جامعة “كمبريا” في انكلترا قبول الرسوم الدراسية بالبيتكوين، واعتمدت شركة “تايغر دايركت” العملاقة لبيع أجهزة الحاسوب هذه العملة في مداولاتها، إلا أن البنك المركزي الروسي أصدر تحذيراً ضد البيتكوين، وتم إغلاق منصة تبادل لها، ثم قررت المنصة التاريخية “فيركوريكس” تعليق عملياتها، فيما قبلت متاجر “مونوبري” للبيع بالتجزئة في فرنسا ودول أخرى التعامل بالبيتكوين، واختار موقع المعلومات الاقتصادية والمالية “بلومبيرج البي” وهو وكالة أنباء دولية تقدم التقارير الخاصة بالأخبار المالية، عرض يعر صرف البيتكوين، لتغدو أكبر شركة في العالم تتعامل بها.
وفي عام 2015 رفعت شركة “كوانبيس” تمويلها إلى 75 مليون دولار، فحطمت بذلك الرقم القياسي السابق لشركة بيتكوين، كما أعلنت شركة “غوكس” التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، أنه تم اختراق حساباتها المالية، ما أدى إلى فقدان حوالي 19000 ألف بيتكوين، أي ما يعادل 5 ملايين دولار، وظل التبادل متوقفاً لعدة أيام وسط تكهنات بأن العملاء خسروا أموالهم، وهبط سعر البيتكوين خلال الأسبوع الأول من عام 2015 وخسر 51 دولار في غضون يومين فقط.
في عام 2016 زادت عدد المواقع التي تتعامل بالبيتكوين وأصبح سعر العملة يتراوح بين 600 إلى 610 دولار، وفي عام 2017 اكتسبت العملة مزيداً من الشرعية بين الشركات المالية القديمة، على سبيل المثال، أصدرت اليابان قانوناً لقبول بيتكوين كطريقة دفع قانونية، وأعلنت روسيا عن عزمها تقنين استخدام العملة الالكترونية، وكان من بين العوامل التي ساهمت في ارتفاع قيمة العملة الافتراضية هي أزمة الديون السيادية الأوربية، وبشكل خاص، الأزمة المالية القبرصية (2012-2013).
الاعتراف الدولي بها
تعتبر ألمانيا أول دولة اعترفت رسمياً بالعملة الالكترونية، واعتبرت أنها تستطيع فرض الضريبة على الأرباح التي تحققها الشركات التي تتعامل بـ”بيتكوين” في حين تبقى المعاملات المالية الفردية معفية من الضرائب، أما الولايات المتحدة فلم تعترف بها رسمياً، فيما اعترفت بها الدانمارك واستونيا وكوريا الجنوبية وكندا وفنلندا وهولندا والمملكة المتحدة، وبالمقابل فقد خظرت العديد من الدول التعامل بالبيتكوين ومنهاروسيا والصين والسعودية ولبنان وإيسلندا وفيتنام وبنغلادش وبوليفيا وقيرغيزستان والإكوادور.
ويرى مراقبون أن الاعتراف الرسمي يحمل جانباً ايجابياً بإضفاء الشرعية للعملة، في حين يرى آخرون أنه قد يفتح الباب إلى مزيد من تنظيم العملة وربطها بالحكومات ما يتعارض مع أحد ميزات” بيتكوين” كعملة غير خاضعة لأي جهة.
ايجابيات العملة الافتراضية
تمتاز البيتكوين بعدة سمات، ومنها، أولاً: الرسوم المنخفضة والسرعة جراء عدم وجود وسيط، وثانياً: السرية، إذ لا يمكن مراقبة عمليات البيع أو الشراء والتدخل فيها، وتقلل من سيطرة الحكومة والبنوك على العملة، وثالثاً: العالمية، فهي لا ترتبط بموقع جغرافي معين وليس لها ضابط ولا رابط، ويلغي ذلك سيطرة البنوك أو ارتفاع الأسعار، ويحميها من التضخم بفضل عددها المحدود الذي أعطاها أيضاً قيمة كبيرة في السوق.
ومن ايجابياتها أنه لا يمكن تتبع عمليات البيع والشراء أو مراقبتها أو التدخل فيها بسبب غياب أي رقم تسلسلي مرتبط بها، ما يعزز الخصوصية ويحد من سيطرة الحكومات والمصارف على العملة، كما يمكن استخدامها في أي بلد مثل العملة المحلية.
ومن ايجابياتها، الندرة، إذ خطط مخترعها لإصدار 21 مليون وحدة فقط حتى عام 2040 ما يساهم في الحفاظ على قيمتها ويمنعها من الانهيار، كما أنها مصممة بشكل يمنع التراجع عن أي معاملة أو إجراء ويتم إصدارها بشكل جماعي عبر الشبكة، ووفقاً لموقع “بيتكوين” لا يملك أحد شبكة البيتكوين بنحو كامل ولا يوجد أحد يمتلك التكنولوجيا وهي القوة المحركة للبريد الالكتروني، إذ يتم التحكم بها من قبل جميع مستخدمي بيتكوين في العالم، وبينما يقوم المطورون بتحسين البرنامج لا يمكنهم فرض تغيير في بوتوكول البتكوين لأنه لدى جميع المستخدمين مطلق الحرية لاختيار أي برنامج وإصدار يمكنهم استخدامه، ومن أجل البقاء على توافق مع بعضهم البعض، يحتاج جميع المستخدمين لاستخدام برامج تتماشى مع القواعد نفسها، إذ تعمل هذه العملة بشكل جيد فقط عندما يكون هناك إجماع وتكامل بين جميع المستخدمين، لذلك لديهم القدرة والحافز على تبني وحماية هذا الإجماع.
أقوى 7 عملات رقمية للتداول والاستثمار:
حظيت العملات الرقمية على شهرة واسعة في النصف الثاني من العام المنصرم 2017 وازداد الطلب عليها بواقع تسعة أضعاف على الرغم من أنها لا تخضع لبنك مركزي أو سلطة مركزية، وتخطت قيمة سوق العملات الرقمية 270 دولار حين شهدت الأشهر الماضية تدفق عملات رقمية جديدة بالأسواق، ويعتقد الخبراء أن القيمة السوقية 270 دولار ليست سوى الخطوة الأولى في الطريق نحو القيمة السوقية التي تبلغ تريليون دولار، كما تتمثل الإستراتيجية الرامية لتحقيق هذا النمو بالاستثمار في كبرى العملات الرقمية التي تتخطى قيمتها مليارات الدولارات على المتوسط المرجح للسوق.
بيتكوين: أكبر عملة رقمية في العالم من حيث حجم التداولات والقيمة السوقية وأول عملة يتم طرحها في “إيتورو” حيث ازدادت قيمتها بأضعاف، وتعد أول عملة لا مركزية وتتم إدارتها بالكامل عن طريق مستخدميها.
بيتكوين كاش: هي العملة الناتجة عن انقسام البيتكوين، وظهرت مع بداية شهر آب الماضي، وتفترض هذه العملة التوأم لبيتكوين تقسيم سجل بلوكشين البيتكوين وتحديث قواعد الاتفاق ما يسمح للعملة المشفرة بالنمو والتوسع.
في الآونة الأخيرة ارتفعت عملة بيتكوين كاش ارتفاعاً كبيراً لتصل إلى أعلى مستوى منذ ظهورها، وتحتل المركز الثالث وتسبقها في القيمة السوقية عملة بيتكوين في المركز الأول ثم “الايثريوم” في المركز الثاني وأفضل العملات الرقمية من حيث الحجم والقيمة السوقية، وقد أحدثت ضجة في العالم عندما قفزت خلال أول خمسة شهور من العام 2017 من مستوى 10 دولار إلى أكثر من 400 دولار للوحدة الواحدة، وزاد انتشارها بشكل هائل وتم اعتمادها من قبل العديد من الشركات مثل مايكروسوفت.
إيثيريوم كلاسيك: بعدما انقسم مجتمع الإيثيريوم خلال شهر تموز من العام 2016 نشأت هذه العملة باعتبارها إصداراً مصغراً عن الإيثيريوم بحسب قيمتها الأصلية اللامركزية.
الداش: تطورت هذه العملة في ظل مراعاة الخصوصية وسرعة المعاملات وحققت نجاحاً كبيراً، ولقد أظهرت عملة الداش قدراً كبيراً من السيولة وتتسم بسرعة أوقات المعالجة مقارنةً بنظائرها، وتقوم بتنفيذ طرق جديدة لحماية خصوصية مستخدميها، كما توفر مساحة أكبر من الحرية الاقتصادية لمستخدميها.
لايت كوين: الليتكوين هي أحدث العملات الرقمية الصاعدة في سوق العملات الرقمية.
الريبل: هي المسمى الأشمل للعملة الرقمية الموجودة في مواقع الصرافة والتوزيع البديل للعملات ورمزها، وتعد من أهم وأشهر العملات الرقمية الحالية على مستوى العالم، حيث تحتل المركز الثالث عالمياً من حيث السيولة.
تحذير وترحيب
انقسم الخبراء الماليون حول رؤيتهم لمستقبل العملة الافتراضية الرقمية “بيتكوين” والعملات الافتراضية الأخرى، وسيطرت على مناقشات الفعاليات الاقتصادية في العالم خاصة بعد صدور تقارير تفيد بان هذه العملة تهدد بإزاحة الدولار الأمريكي عن عرش العملات العالمية لتكون بديلاً له في المستقبل القريب.
وبحسب الخبراء المؤيدين للتوجه نحو “البيتكوين” فإنه من غير المستبعد أن تحل العملات الافتراضية محل العملات الورقية، وهي برأيهم تحمل مزايا كثيرة تزيد من حظوظها في السيطرة على التعاملات الدولية، خاصةً في ظل تنامي قبولها من قبل العديد من المؤسسات المالية ولدى متاجر الكترونية تتيح لعملائها التعامل بها في الوقت الراهن مثل متجر مايكروسوفت وغوغل وباي بال، وأمازون التوجه إليها كملاذ آمن.
وبالمقابل يرى فريق من المحللين أن صعود العملة الافتراضية وتنامي الإقبال عليها مجرد “زوبعة” ستنتهي قريباً لأن الإقبال عليها مصطنع وربما يكون ردة فعل على الارتفاع المستمر للدولار أمام العملات الأخرى منذ عدة أعوام، وهم يعتقدون أن “بيتكوين” مجرد فكرة طموحة فهي عملة افتراضية لا تخضع لسيطرة الحكومات والبنوك المركزية كما هو حال العملات التقليدية.
وحذر الخبراء المعارضون لفكرة سيطرة العملة الالكترونية على التعاملات العالمية من اندفاع المتعاملين إليها بشكل غير منطقي، حيث تعرض بعض المتعاملين بها لعمليات السرقة والاحتيال على مدار السنوات الماضية على الرغم من التامين الجيد للنظام الأساسي للعملة.
في السياق يقول أحد الخبراء الماليين إن عملة “بيتكوين” الرقمية استطاعت الصعود فوق مستوى 1000 دولار في مطلع العام المنصرم 2017 للمرة الأولى منذ ثلاثة أعوام بعد قفزاتها المتوالية على جميع العملات التي تصدرها البنوك المركزية حول العالم، والسبب أنها توفر ميزة جاذبة للراغبين في الالتفاف على ضوابط رأس المال في ظل تراجع العملات التقليدية وتباطؤ الاقتصاد العالمي.
وأضاف الخبير إن ارتفاع قيمة هذه العملة لتبلغ 1022 دولار دفع العديد من المؤسسات المالية للإقبال عليها لتحل محل الدولار في تسعير أسعار الذهب والمعادن والنفط، فيما أشار خبير آخر إلى أنه على الرغم من زيادة الإقبال على تداول العملة الرقمية إلا انه من المستبعد أن تحل محل الدولار واعتقاد البعض أن العملات الورقية الدولية إلى زوال هو اعتقاد يفتقر إلى الدقة.
وحتى لو كان العالم يتجه لاستخدام التكنولوجيا في كل المجالات بما فيها عمليات الدفع الالكتروني، وقد يزداد التوجه نحو الدفع الالكتروني عبر أدوات ووسائل جديدة ، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة الاستغناء عن العملات الورقية وعن الدولار تحديداً، منوهاً إلى أن وجود عملات دولية منافسة للدولار الأمريكي يعد أمراً طبيعياً في ظل العولمة حيث يقل الإقبال على الدولار لصالح عملات أخرى مثل اليوان الصيني، ومن الصعب الاعتماد على العملة الرقمية التي شهدت تذبذبات سعرية حادة خلال أعوام قليلة مضت، كما أن الاختراقات الأمنية التي وقعت كبدت المتعاملين بها خسائر كبيرة من عمليات السرقة والاحتيال.
محلل اقتصادي آخر قال عكس ذلك، ولم يستبعد سيطرة العملات الرقمية على التعاملات المالية واختفاء العملات الورقية، مشيراً إلى أن احتمال اعتماد العملات الرقمية في كافة التعاملات يمكن أن يحدث بشكل أسرع واقرب مما نتخيل، مضيفاً أن التجارب الدولية في استخدام عملة”بيتكوين” تثبت أنها عملة قابلة للتداول وأن الفوائد الكثيرة التي تتحقق من استخدام تلك العملات تتغلب على المساوئ، مشدداً على أهمية نشر المعلومات التي تشرح كافة جوانب التحول الرقمي الحاصل.
ضمن السياق ذاته يرى خبير اقتصادي أمريكي أنه وفقاً للتوقعات السنوية الصارمة فان البنك الاستثماري المتخصص بالتداول في الأسواق المالية العالمية عبر الانترنت يتوقع تحقيق مكاسب هائلة لعملات “بيتكوين” جراء ارتفاع سوق العملات الرقمية المشفرة، ويرجع ذلك إلى أنه في ظل رئاسة دونالد ترامب، سيتسبب الإنفاق المالي الأمريكي بزيادة العجز في الميزانية من 600 مليار دولار ليراوح ما بين 1200-1800 مليار دولار، ما سيفضي إلى تسجيل ارتفاع حاد وسريع في مستويات النمو والتضخم، الأمر الذي سيجبر الاحتياطي الاتحادي على تسريع موجة الصعود في وقت سيسجل فيه الدولار الأمريكي مستويات قياسية جديدة.
ورجح أن يتسبب ذلك بحدوث تأثير متدرج في الأسواق الناشئة، وبشكل خاص الصين التي بدأت تبحث عن بدائل لنظامها الخاص بالنقود الورقية المدعومة بالدولار الأمريكي، واعتمادها على السياسة النقدية الأمريكية، ما سيؤدي بالنتيجة إلى تنامي شعبية البدائل من العملات الرقمية وستكون عملة “بيتكوين” المستفيد الأكبر من هذا الوضع.
وأشار إلى أنه مع قبول الأنظمة المصرفية والجهات السيادية في روسيا والصين بعملة “بيتكوين” كبديل جزئي للدولار، فان هذه العملة ستشهد نمواً بمقدار 3 أضعاف لتبلغ قيمتها 2100 دولار.
أما خبير “البيتكوين” الأمريكي، فيني لينجهام، الرئيس التنفيذي لشركة”سيفيك” الأمريكية الناشئة لحماية الهوية الرقمية، فقد نوه إلى أن إمدادات “بيتكوين الجديدة تتناقص وأصبح الناس يرون هذه العملة ملاذاً آمناً من انخفاض أسعار العملات في بلادهم، لذلك يقبلون على شراء العملة الرقمية بدلاً من شراء الدولار، مضيفاً أن نقص الإمدادات بهذه العملة الجديدة وانخفاض العملات الرئيسة أمام الدولار، مع رفع مجلس الاحتياط الأمريكي الفيدرالي معدلات الفائدة ، تزيد قيمة البيكتوين، ومشيراً إلى أن تأثير حالة انعدام الاستقرار الجيو سياسي المخيفة ومن بينها التهديد المحتمل الذي يمثله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للأسواق الناشئة يزيد التوقعات بان يصل سعر “بيتكوين” إلى 3000 دولار أمريكي في القريب العاجل، ذلك أن العملة الرقمية غدت الملاذ الآمن للمتعاملين بها، وأما ابرز عيوب العملة الرقمية فهي تسهيل العمليات المشبوهة وغسيل الأموال في ظل غياب الرقابة ما يلحق الضرر بالاقتصاد العالمي.
مجرد خدعة
وأخيراً يرى الرئيس التنفيذي لبنك “جي. بي.مرجان” أن هذه العملة “خدعة” وستنتهي قريباً ودعا المستثمرين لبيع حيازتهم من البيكتوين قبل أن تتراجع فهي تشبه فقاعة “التوليب” التي حدثت في القرن السابع عشر وتسببت بخسائر فادحة، إذ تواجه العملة الالكترونية موجة انتقادات حادة من قبل بعض الدول حيث انتقدت الجهات المالية في الصين وبريطانيا عملية أطروحات العملة ووصفوها بأنها غير قانونية وتنطوي على درجة عالية من المخاطر.
أما الملياردير الأمريكي “وارين بافيت”، فقد انتقد العملة الافتراضية قائلاً: ابتعدوا عن بيتكوين إنها سراب ووسيلة فعالة لنقل الأموال، لكنها لا تستحق شراؤها بأموال كبيرة.
في كافة الأحوال، تعد التكنولوجيا هي الأساس وما زالت تثبت صلابتها، وهذا ما يجعل بيتكوين عملة الاستثمار الأولى حالياً، وثمة من يتنبأ من الخبراء بمستقبل تظهر فيه أكثر من عملة الكترونية كل منها يؤدي دوراً مختلفاً والعامل المشترك بينها أنها ستكون أكثر فاعلية من الدولار الأمريكي اليوم. ولو لم تستغل أمريكا دولارها لأسباب سياسية وأبقته “عملة احتياط” حيادية واستفادت من هذه الوضعية واكتفت، لما كان للبيتكوين والعملات الالكترونية الأخرى القيمة ذاتها اليوم.
لكن استخدام الدولار والنظام المالي العالمي كسلاح و أداوت للرقابة والعقاب والتحكم في الأسواق، ووسائل ضغط لتوحيد الممارسات المالية والأنظمة المصرفية حول العالم كما تريد واشنطن هو ما دفع الكثيرون للبحث عن البديل على امتداد التاريخ، ومن الصعوبة بمكان أن يسمح النظام المالي العالمي بانتشار وتمدد عملة البيتكوين وأمثالها.
لذلك حذر خبراء ومحللون دوليون من التعامل بالعملات الرقمية لأنها مجرد فقاعة وقتية ستزول بمرور الوقت خصوصاً وأنها لا تخضع للتنظيم والتقنين والتقييم، وقد يتعرض المستثمر للاحتيال والنصب بكل سهولة.
مستقبل البيتكوين
يتوقع أساتذة الاقتصاد في جامعة هارفارد تدمير هذه العملة في نهاية المطاف بسبب ضغط اللوائح الحكومية، ذلك أن خطر عدم الكشف عن الهوية المالية سيخلق بيئة من اللوائح التي تدمر البيتكوين، إضافة إلى أن الحكومات المركزية ستدفع هذه التكنولوجيا نحو الزوال في نهاية الأمر.