غياب الإرادة السياسية
تُثبت الأحداث المأساوية التي تشهدها سورية منذ عدة سنوات، بفعل الحرب العدوانية التي تشن على شعبها، غياب الإرادة السياسية الحقيقية لدى قوى كبرى فاعلة في إحداثيات الأزمة لإنهائها، أو المساعدة الحقيقية في ذلك، وثمة أدلة حقيقية تدفع بهذا الاستنتاج، منها استمرار الاعتداء على الأراضي السورية وانتهاك سيادتها، علماً أن التنظيمات المسلحة الإرهابية قد تمّ طرد أغلبها من الأراضي السورية، ومع ذلك استمرت القوى الخارجية في التمدّد ضمن الأراضي السورية، متعاونة مع قوى عميلة لها.
لقد بات واضحاً للجميع أن استهداف سورية، الدولة والشعب والمؤسسات، والسيطرة على مكامن قوتها الاقتصادية، هو هدف ثابت في استراتيجيات القوى الغربية الاستعمارية، ليس هذا فحسب، وإنما السيطرة على المنطقة بالكامل، وبالتدريج وحيث تسمح الظروف أو تتوفّر العوامل المساعدة، وهنا تصبح ذريعة مكافحة الإرهاب والتطرّف هي العنوان والغطاء، الذي يراد من ورائه تبرير وشرعنة ما يجري، في لعبة خداع كبرى للرأي العام العالمي، ودور مشبوه للمنظمات الدولية، ولاسيما مجلس الأمن الذي يبدو أنه فقد كل دور له في إطار الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، وتحوّل إلى رهينة وذراع سياسية بيد تلك القوى التي يبدو أنها باتت مقتنعة بمحدودية دوره وانعدام فاعليته السياسية في ضبط السلوك الدولي.
لقد كانت المنظمات الدولية، ولاسيما مجلس الأمن، في وقت ما ملجأ للكثير من دول العالم الثالث عندما تتعرّض لتهديدات أو عدوان، وطالما وجدت -على الأقل- مساندة معنوية منه أو موقفاً مقبولاً وغير منحاز للعدوان بشكل سافر ومكشوف، كما هو حاصل اليوم، حيث نجد أن الاصطفاف السياسي، وليس الميثاقي والقانوني، هو السائد، بحيث أن مواقف الدول الغربية، الأعضاء في مجلس الأمن وصاحبة حق الفيتو، أصبحت معروفة قبل التصويت على أي مشروع قرار يعرض على المجلس، انطلاقاً من حسابات واصطفافات سياسية، وليست موضوعية تتعلّق بالحالة المعروضة عليه.
لقد عرّت المواقف التي اتخذتها بعض القوى الكبرى في مجلس الأمن من الأزمة السورية مواقف وسياسات تلك الدول، ولاسيما أمريكا وفرنسا وبريطانيا، وبيّنت أنها تنطلق من اعتبارات غير موضوعية تحكمها مصالحها ومطامعها في سورية والمنطقة، وسعيها لإبقاء الصراع في سورية مفتوحاً، بهدف استنزاف الدولة السورية وإضعافها وإخراجها من معادلة الصراع في المنطقة خدمة للكيان الصهيوني، اللاعب الأبرز في كل ما شهدته المنطقة من صراعات ونزاعات خلال السنوات الماضية، أدخلتها في حالة من اللا استقرار، واستنزفت مقدراتها، وعطّلت عجلة التنمية فيها.
إن الغرب الذي لم يستطع تحقيق انتصار على سورية، على الرغم من استعانته بكل قوى الإرهاب والتطرّف، واستنفاره لكل رصيده من العملاء في المنطقة، لن يقبل بسهولة فكرة الهزيمة وهضم حقيقة انتصار سورية وحلفائها، لهذا نجده في حالة اضطراب وتوتر وقلة حيلة حيال ما حصل، فنراه تارة يتباكى على المدنيين، وهو الذي دمّر الرقة عن بكرة أبيها، أو يشهر سلاح استخدام الكيماوي، ويهدد بالقيام بضربات جوية، أو يوعز للكيان الصهيوني بالعدوان على سورية، وغير ذلك من أساليب باتت مكشوفة للجميع، وتعكس بالمحصلة شعوراً بالهزيمة والإحباط، وعدم الرغبة في حل سياسي يعيد الأمن والاستقرار لسورية والمنطقة.
د. خلف المفتاح