الإيجاب والقبول بالعقد وشرط اتحاد المجلس
المحامي عمر تقي الدين
اشترط القانون لكي يتلاقى الإيجاب مع القبول ويقترن به أن يصدر القبول في مجلس العقد، سواء أكان المتعاقدان حاضرين حقيقة أم حكماً بأن حصل التعاقد بطريق الهاتف أو بطريق آخر يماثله (حيث إنه يعتبر التعاقد بالهاتف أو مثيله تعاقداً فيما بين الحاضرين من حيث زمان انعقاد العقد، إذ يتمّ العمل بمجرد صدور القبول كما يعتبر تعاقداً بين غائبين من حيث المكان لاختلاف مكان كلّ من الطرفين عن مكان الآخر، وهنا يكون مكان انعقاد العقد هو مكان الموجب في حال تمّ القبول)، أو أن المتعاقدين كانوا غائبين كما التعاقد بالمراسلة (خطاب- برقية- رسول…)، ويتحقق اتحاد المجلس بين العاقدين الحاضرين حقيقة وحكماً إذا صدر الإيجاب من الموجب وقبله الآخر في المجلس، سواء أكان قبوله فوراً أو بعد فترة من التأمل والتفكير إذا لم يوجد ما يدلّ على أن الموجب قد عدل عن إيجابه في الفترة مابين الإيجاب والقبول، أما إذا صدر من الموجب بعد إيجابه وقبل القبول ما يدلّ على عدوله عنه، أو أن القبول صدر بعد افتراق المتعاقدين عن مجلس التعاقد فإنه لا ينعقد العقد إلا إذا كان الموجب قد قرن إيجابه بمدة، فإنه يمتنع عليه حينئذ العدول عن إيجابه ما دام الأجل قائماً، ويتحقق اتحاد المجلس بين الغائبين بالوقت الذي يعلم فيه الموجب بقبول الطرف الآخر، لأن المقصود من اتحاد المجلس تلاقي القبول بالإيجاب بعد تطابقهما، وهذا التلاقي لا يتحقق إلا بعلم كلّ من المتعاقدين بتعبير الآخر وعلم القابل بالإيجاب قد تمّ قبل أن يصدر قبوله، ومن ثم فإن اقتران القبول بالإيجاب يتحقق متى علم الموجب بالقبول، وهذا مانصّ عليه القانون المدني في المواد 92-93-94-95-96-97-98… ومابعدها، وإن من مبطلات الإيجاب رجوع الموجب قبل القبول بشكل صريح بأن يقول رجعت عن إيجابي أو دلالة بأن أعرض عنه إلى حديث آخر، لأن العاقدين ما داما في المجلس ولم يصدر عن الآخر مايدلّ على القبول فمن حق الموجب أن يعدل عنه، وهنا لا ينعقد العقد إلا إذا صدر القبول قبل رجوع الموجب حتى لو تعاصرت عبارتا الرجوع والقبول بأن قال القابل قبلت وقال الموجب رجعت، وخرج الكلامان معاً بطل الإيجاب لأنه هنا قارن القبول ما يمنع صحته وهو رجوع الموجب ويعتبر رجوعاً عن الإيجاب قبل القبول، وإذا قيد الموجب نفسه بمدة بأن حدّد في إيجابه مدة يقبل فيها الطرف الآخر العقد أو يرفضه، فإن الإيجاب يبقى طول هذه المدة ملزماً لصاحبه ولا يبطل بانتهاء المجلس. وأما بطلان الإيجاب بموت الآخر أو جنونه، فهنا اختلف الفقهاء، فالرأي الفقهي أنه يبطل الإيجاب بموت أحد المتعاقدين قبل القبول أو زوال أهليته، فلو أوجب شخص ثم زالت أهليته فقبل الآخر كان قبوله لغواً، ولا ينعقد به العقد قبل قبوله لعدم فائدة الإيجاب بعد زوال أهلية القابل، ولا يقوم ورثته مقامه في حق القبول، لأن خيار القبول لا يورث، إلا أن القانون المدني ذهب إلى أنه إذا مات الموجب أو فقد أهليته بعد الإيجاب وقبل القبول ظل إيجابه قائماً ومنتجاً لأثره القانوني، فإذا قبله من وجه إليه انعقد العقد والحكم كذلك عند البعض لو كان الذي مات أو فقد أهليته هو الموجه إليه الإيجاب، فإن الإيجاب يبقى منتجاً لأثره، ويقوم ورثته في حال الموت أو القيّم أو الولي في حال فقد الأهلية مقامه في حق القبول، ومن مبطلات الإيجاب أيضاً رد المخاطب له، فالإيجاب يبطل إذا رده المخاطب بأن قال لا أقبل أو أعرض عنه إلى عمل آخر، وأيضاً هلاك المبيع أو تغير صفته يبطل الإيجاب، فإذا هلك المبيع كلاً أو بعضاً بعد الإيجاب وقبل القبول بطل الإيجاب لزوال محل التعاقد، ويبطل كذلك إذا تغيّرت صفة محل التعاقد قبل صدور القبول، فلو كان محل التعاقد عصيراً مثلاً وبعد الإيجاب وقبل القبول تخمر أو فسد فإن الإيجاب يبطل، ولو جاء القبول به بعد ذلك لا ينعقد به العقد، وعليه يبطل الإيجاب قانوناً إذا رفضه من وجه إليه أو بانقضاء الأجل المحدّد للقبول، أو إذا عدل الموجب عن إيجابه في مجلس العقد قبل قبوله، فبهذه الحالات يبطل بسببها الإيجاب.