الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

قصائد وحكايات

 

 

بقيت العديد من القصائد التي غنتها السيدة فيروز، إما مجهولة الهوية، أو ملتبسة لجهة مؤلفها، حيث وضع على العديد من تلك القصائد أسم “الأخوين رحباني” لكن بعض هذه القصائد كشفت الأيام عن أصحابها الذين كان الشعر عندهم، وكأنه سرهم الذي لا يباح به.
في تشرين ثاني من عام 1980 عُثر على جثة رجل دين ثلاثيني في أحد أودية جنوب لبنان اخترقت جسده عدّة رصاصات قاتله, هو السيد “علي بدر الدين” إمام بلدة “حاروف” قضاء النبطية الذي اختفى وهو في طريقه إلى المسجد قبل بضعة أيام من العثور على جثته.
ولد السيد “علي محمد جواد بدر الدين” في بلدة “حاروف” قضاء النبطيّه عام 1949، عاش شبابه في كنف العلماء والفقهاء القاطنين في منطقة النبطية التي تلقّى أولى علومه في مدارسها وعلى يد علمائها وفقهائها وعلى رأسهم عمّه العلامة السيد “أمين قاسم بدر الدين”، وكان من الذين فتن الشعر قلوبهم، لكن ذلك بقي طي الكتمان، خصوصا وأنه من أسرة دينية لها عادات وتقاليد معروفة. جاءه من يعرف أن لديه كنزاً من القصائد الغزلية والوجدانية كان قد كتبها في سن الخامسة والسادسة عشرة وعرض عليه أن يبيع بعضها لمن يلحنها كأغانٍ..
تردد السيد في البداية لكنه وافق على شرط أن لايتم الإشارة إلى أنه الشاعر فيما لو لُحنت هذه القصائد وغًنيت حفاظاً على مكانته ومكانة عائلته الاجتماعية والدينية، إذ لم يكن مستحباً وقتذاك لرجال الدين التعامل مع الفن والفنانين، فكان اللقاء بترتيب من أحد الأصدقاء مع عاصي الرحباني الذي بُهر بما وجده من قصائد في جعبة طالب الحوزة الدينية الشاب وكاد عاصي لايصدق أن هذا الشاب العشريني هو مبدع هذه القصائد وفي سن الصبا، فاشترى أكثر من قصيدة ودفع ثلاثين ليرة لبنانيه في القصيدة الواحدة.
خرج إلى النور بتلحين الأخوين رحباني وبصوت السيدة فيروز الاسطوري ودون ذكر الشاعر قصيدتان لانبالغ إذا قلنا بأنهما من أجمل وأبدع ماجادت به قريحة الرحابنة وأروع ماغنّت “ست الدني”.
من القصيدة الأولى
لملمت ذكرى لقاء الأمسِ بالهدبِ
ورحت احضرها في الخافق التعبِ
أيـدٍ تـلوّح مـن غـيبٍ وتـأمـرنـي
بالـدفء بالضوء بالأقمار والشهـبِ
ومن القصيدة الثانية:
أنـا ياعصفورة الشجـنِ
مثل عينيك بلا وطـنِ
بي كما بالطفل تسرقه
أوّل الـلـيل يـد الوسن
إعداد: تمّام علي بركات