صحيفة البعثمحليات

من طهران..

أشياء كثيرة وجميلة تستحق الوقوف عندها مطولاً، شاهدناها على الأرض خلال الأيام الماضية من زيارة وفد اتحاد الصحفيين إلى طهران التي تنتهي يوم غد.

أول ما يلفت الانتباه نظافة المكان في أي اتجاه بطهران المدينة الجميلة المترامية الأطراف على مساحة شاسعة “نظافة بلا حدود”، كما وصفها أحد الزملاء بالوفد. كلنا تساءلنا عن السر، خصوصاً عندما علمنا أن عدد السكان المقيمين بالمدينة /8/ ملايين، يضاف إليهم /4/ ملايين يقصدونها بداعي العمل والتسوق والسياحة، ببساطة لديهم الوعي الصحي وثقافة النظافة التي يعتدونها من الأولويات في حياتهم داخل الأسرة، وفي المدرسة وفي الجامعة ومكان العمل وأينما حلوا، لا يمكن أن تجد ما يعكّر النظر ويلوث البيئة لا بصرياً ولا سمعياً، ونادراً ما تسمع “زمور” سيارة؛ لأن الكل يحترم الأنظمة والقوانين المرورية من مارة ومركبات أياً كان نوعها ومن يقودها، نادراً ما تجد شرطي مرور، وإن وجد يكن على التقاطعات لتنظيم حركة السير. مواقف الباصات وتكسي الأجرة موزعة بطريقة مريحة، ومصممة بشكل حضاري تقي من حرّ الشمس وبرد مطر الشتاء، ودفع الأجرة في حصالة إلكترونية موجودة عند كل موقف، لا أثر للإعلانات الورقية والصور التي تشوه جدران  المباني ومداخلها، وأعمدة الكهرباء وغيرها من الأماكن، بل مخصص لها أماكن لا يمكن تجاوزها تحت طائلة المسؤولية.

بالمختصر، طهران مدينة حضارية حقاً، بنيت بسواعد أبنائها من خريجي الجامعات بالاختصاصات المختلفة، وتأكل من خيرات أرضها حيث لا يعتمدون كثيراً على الخبرات الأجنبية، ولا على المستوردات من المواد الغذائية والصناعية وغيرها..

كأعضاء وفد صحفي يضم ممثلين عن كل الصحف السورية الرسمية والمحلية ووكالة سانا سألنا: ما الذي يمنع أن تكون مدننا نظيفة، وحدائقنا متنزهات حقيقية تكون الملاذ المريح أيام العطل الرسمية؟! ما الذي يمنع أن نلتزم قوانين وأنظمة المرور والمحافظة على المرافق العامة والاعتناء بها لتبقى في خدمة الجميع؟!

بصراحة بقدر فرحنا بزيارة المدينة التي تضاهي بجمالها وبنيتها التحية المدن الأوربية واعتزازنا بالأصدقاء، بل الأشقاء الإيرانيين الذين غمرونا بكرمهم ومحبتهم، شعرنا بالحزن على حال مدننا ودمشق تحديداً؛ لأنها مهملة خدمياً لجهة النظافة والفوضى المرورية، وشوارعها التي تحتلها الأكشاك والبسطات حتى ما قبل الحرب، حزنّا لأنه بإمكان دمشق وكل المدن السورية أن تكون في القمة، عندما تتوفر الإدارة الناجحة التي توظف الأموال في مكانها المناسب، وتحاسب وفق الأنظمة والقوانين كل من يسيء استغلال منصبه ونفوذه في خدمة مصالحه الشخصية. إيران خرجت من حرب طويلة، وتعاني اليوم من ضغوط كبيرة، لكنها صمدت واستثمرت جيداً إمكاناتها ومواردها الاقتصادية والبشرية، وباتت دولة عظمى، ولا نعتقد أن ذلك بأمر صعب على السوريين في مرحلة إعادة الإعمار، كلنا أمل بغد أحلى.

غسان فطوم

ghassanftom@gmail.com