صحيفة البعثمحليات

لكم تُرفع القُبّعة..!

أن يتشبّث المعلّم برسالته في حمل مشعل النّور في حربنا المفتوحة على الظّلام، ويُصمّ الأذن لأصوات الرّصاص وقذائف الحقد في طريقه إلى مدرسته أو جامعته، حيث نداء الواجب، عزيمةً وتمسّكاً بقيمة العلم ودوره في بناء الوطن والإنسان، متحدّياً خفافيش الكهوف المظلمة، ورسائل العتمة المتكلّسة، بمفخّخاتها وقنابلها وعبواتها النّاسفة؛ لأمرٌ يستوجب أن نرفع له القبّعة عالياً؛ تقديراً لهذا المتماهي في قاعته الصّفيّة أو مُدرّجه الجامعي مع الجنديّ في خندقه؛ ذائداً عن حياض الوطن بنشر النّور وتفكيك مفخّخات الظّلام.
في المقابل لا بدّ من تسجيل علامات الإعجاب بطلابنا الذين كانوا مضرب مثلٍ بمواظبتهم والتزامهم الحضور إلى مقاعد الدّرس، مُتحدّين وغير آبهين بحجم الدّمار والتّخريب اللّاحق بمدارسنا وجامعاتنا، مُدركين أنّ مفاتيح بناء الوطن وانتصاره على أعداء الإنسانية مُعلّقةٌ بضفائر من نور فوق السّبورة في مؤسساتنا التّعليمية وصروحنا العلميّة الشّامخة.
وكان هذا بمنزلة رسالة للجميع بأن السّوريين على مرّ التاريخ لم يكونوا إلا صُنّاع حياة، ورُسل نور، وروّاد معرفة.
وفي حضرة المعلّم لا بدّ من استحضار وزارتي: التّربية، والتّعليم العالي المعنيّتين بمخرجات العمليّة التّربوية والتّعليمية وتحسين جودتها، للتّذكير بأنّ المعلم هو الرّكن الأساس، والأكثر تأثيراً في تحسين أحوال التّعليم، فنوعيّة أيِّ نظام تعليمي تعتمد بالدّرجة الأولى على نوعية أداء المعلّمين، ومن هنا لا بدّ من تحسين أوضاعهم، والاهتمام بشؤونهم، من أجل تحقيق تعليم جيّد، وصولاً إلى تحقيق منظومة تعليمية معاصرة، تلبي حاجة المجتمع.
ولإنجاز ذلك لا بدّ من تشخيص مشكلات المعلّم وفق رؤيةٍ علميّة، وإيجاد الحلول الممكنة لها، بدءاً من زيادة الأجور، لتتناسب مع تكاليف المعيشة، حيث لم تعُد تلبي الحاجات الأساسيّة اليوميّة؛ الأمر الذي يؤدّي إلى عزوف بعض المعلّمين في أيام الدّوام الرّسمي عن المدرسة، للالتحاق بالدّروس الخصوصيّة، والمعاهد الخاصّة، وذلك تلبيةً لمتطلبات الحياة المعيشيّة وضغوطها الماديّة، مع ما يعنيه ذلك من تراجع في مستوى حسن سير العمليّة التعليميّة على الطّلاب عموماً، مروراً بضرورة إعادة النّظر بالفائض العدديّ من داخل الملاك في بعض المدارس ولبعض المواد، وملحاحيّة تسوية أوضاع الفائض في المدارس التي تعاني نقصاً، بحيث تصبح الحاجة الفعلية من المعلمين في المدارس مؤمّنة، لجهة العدد، والاختصاص، وبما يتواءم مع عدد الطلاب والشّعب الصّفيّة في كلّ منها، وانتهاءً بتحقيق هيبة المعلّم واحترامه بوجه عام، من خلال سلّة ردع قانونيّة حقيقيّة تمكّنه من تأدية رسالته في القاعة الصّفيّة. ولعلّ الاستثناءات الموجودة تثبت القاعدة ولا تنفيها، ولا سيّما في ظلّ تغوّل ثقافة الاستهلاك التي غزت -وبكل أسف- مجتمعنا بكلّ أروقته، ومن ثمّ إيلاء الاهتمام الكافي بالمعلّمين ودورهم الوظيفيّ بالغ الأهميّة، اجتماعيّاً ومعرفيّاً وعلميّاً وحضاريّاً، في مواجهة ثقافة الفساد والتّسلّط والمحسوبيّة والوساطة، في ظلّ ضعف حيلة المعلمين في مواجهة هذه الآفات المجتمعيّة، بل حتى عجز بعض الإدارات عن مؤازرة معلميها تحت ذريعة عدم وجود نصوص وتعليمات تمنح الحصانة الكافية للمعلّم ودوره، وعقابيل ذلك على مستوى بناء الإنسان.
والحال أنّ من الضّرورة بمكان تضافر الجهود من مكوّنات المجتمع كافة، من أجل إعادة الاعتبار للمؤسّسة التّربويّة عموماً، وللمربي خصوصاً، باعتبار أنّه محور العمليّة التّعليمية وعمادها، والحامل الموضوعيّ لنسغ المعرفة وجيناتها المُورّثة للأجيال. وكلّ عامٍ وبُناةُ أجيالنا بألف خير.
أيمن علي
Aymanali66@Hotmail.com