“شكل الماء”.. المَقُولة تحْصُد الأُوسْكار
هي القصة الخيالية ذاتها والتي تكرّرت فكرتها في العديد من الأفلام الأمريكية وسواها، وحكايتنا تجري أحداثها خلال فترة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي سابقاً والولايات المتحدة الأمريكية، حيث تعيش “ليزا” في عالم من الصمت والوحدة حتى مع زملاء تعمل معهم في واحد من المراكز شديدة السرية لصناعة الأسلحة غير التقليدية، وإجراء تجارب علمية فائقة الخطورة سوف تقلب آخرها حياة “ليزا” رأساً على عقب.
“إن تحدثت عنه؛ لو فعلت ذلك؛ أتساءل عما سأقوله لكم عنه، عن زمنه وأنه حدث من زمن بعيد.. أو عن مكان حدوثه في مدينة صغيرة على الساحل بعيدة عن كل شيء آخر، أو أخبركم عن الأميرة البكماء أو أخبركم عن حقيقة هذه الوقائع، حكاية الحب والخسارة والوحش الذي حاول تدمير كل شيء”، ستسأل نفسك فيما بعد من الوحش هنا؟.
ما إن يُنهي الراوي تقديمه للحكاية حتى يرنّ جرس المنبّه يوقظ الأميرة التي أشارت إليها ليزا “تقوم بدورها الممثلة سالي هوكنز”، إذ تستيقظ كما كلّ صباح تحضر إفطارها؛ تأخذ حمامها الصباحي تتأمل وجهها في المرآة، تتفحص الخدوش في رقبتها ترتدي ثيابها وتخرج من المنزل، تطمئِنّ على جارها وصديقها الوحيد “تشارلز” الرسام الذي فقد عمله، وتنطلق إلى عملها ليسير يومها في رتابة متكررة.
في المعمل تتأمل الفتاة الكبسولة الضخمة التي تمّ إحضارها إلى المكان، تتلمّس سطحها الشفاف الحاضن للماء ليبدأ الجنون داخل الآلة، كانت في الصباح قد لحظت آثار دماء على العصا التي تلازم يد “الكولونيل ريتشارد” مسؤول الأمن وحارس الاكتشاف، “يقوم بدوره الممثل مايكل شانون”، بعد قليل يخرج من الغرفة السرية وهو يصرخ وقد بترت أصابع يده: ما الذي يجري هناك؟ هل رأيت شيئاً في الداخل؟ تسأل صديقتها زيلدا.
يدفعها الفضول لتكرار زياراتها إلى الغرفة السرية، لتكتشف الوحش المخيف الذي يسكن الكبسولة، وبرغم شكله المرعب لم يكن الوحش دموياً، كان يفتقد إلى القليل من التواصل الإنساني، وهو الأمر الذي وفرته “ليزا” البكماء التي افتقدت التواصل البشري، فكان المخلوق الغريب خيارها وسريعاً ومن دون جهد يُذكر تنشأ بين الاثنين علاقة ودية يستخدمان فيها لغة الإشارة وتعابير الوجه. ويؤنس كلّ منهما وحدة الآخر، لينتهيا إلى علاقة حب غريبة يشبعان عبرها رغبات دفينة، فتاة بكماء تتواصل بالإشارة وتعابير الوجه، بينما يظهر هو مشاعره عبر التغيير في شكل الماء وتحولات لهيئته وملمس جلده!.
الحكاية لن تمرّ بسلام بينما الوحش يتعرض للتعذيب والضرب يصعق بالكهرباء وتُجرى عليه التجارب، أملاً من العلماء بإنجاح تجربة إرسال رجل إلى الفضاء متفوقة على التجربة السوفييتية، حتى لو اضطر الأمر إلى تشريح المخلوق الضيف إذ هو مجرد شيء تافه:
– الشيء الذي نحتفظ به هنا مجرد شيء لا قيمة له، لقد أحضرته من وحل النهر في الجنوب الأمريكي. يخبر المسؤول الأمني “ليزا” وصديقتها بازدراء، بينما يزداد تعلقها به وتحاول إنقاذه، إذ هو الكائن الوحيد الذي يراها كما لم يرها البشريون من قبل.
– عندما ينظر إليّ يشعر بالسعادة لرؤيتي، يراني ويحبني كما أنا، فإما أنقذه أو يموت.. تقول لزيلدا وتطلب مساعدتها.
سيحاول علماء سوفيات تفجير المكان للقضاء على الوحش “رغم كراهية الروس لليهود لم يستطيعوا الاستغناء عن أجهزتهم”، يقول الكولونيل لدى رؤيته جهاز التفجير المستخدم، سيتمّ تهريب الوحش وسوف تعمل “ليزا” على إعادته إلى البحيرة، لكنه في النهاية لن يعود وحيداً ستكون “ليزا” رفيقته الوحيدة في قلب الماء.
ليست فكرة الفيلم بجديدة؛ الجديد فيها أن “ليزا” بكماء، المخلوقات الغريبة تكرّرت في الكثير من الأفلام، رأيناها في أفتار وأي تي وسواهما، إشارات اليد والتواصل عبر لمسة الأصابع تكرّرت في أي تي، فكرة أن الوحش يرى ما لا يراه البشري قيلت في أفتار “أنا أراك”، وهي الفكرة التي أتاحت لفيلم طغى فيه الملل على الإثارة، الحصول على هذا القدر من النجاح “قبول الحبيب على علّاته”. أما من حيث الجماليات البصرية والتقنيات المتطوّرة وضخامة الإنتاج فأين هو مما سبقه من أفلام الخيال؟، ليكون المبرّر الأكثر تأثيراً في حصول العمل على أوسكاراته، هو في المقولة التي أراد المكسيكي جيللير ديل تورو مخرج العمل إيصالها إلينا “التنافس والحروب أفقدانا إنسانيتنا” وأن الوحش ليس سوى الإنسان.
الفيلم كان قد حصل على جائزة الدورة 47 في مهرجان فينيسيا للأفلام العالمية 2017، وجائزة الأسد الذهبي لأفضل فيلم في المسابقة، كما نال الشهر الماضي جائزة أفضل مخرج من رابطة هوليود للصحافة الأجنبية التي من ضمنها “الجولدن جلوب” وعدد آخر من الجوائز أهلته لنيل أوسكارات أفضل فيلم وأفضل إخراج إضافة إلى الموسيقا والديكور.
بشرى الحكيم