صحيفة البعثمحليات

الثروة السمكية تنوء بفقر المخزون والصيد التقليدي الجائر مشروع مزارع الأسماك الأسرية الصغيرة استراتيجية تطوير وطنية تنموياً وإنتاجياً واستثمارياً

اللاذقية- مروان حويجة

يكتنف إنتاج الأسماك من البحر عقبات طبيعية وتقنية عديدة شخصّتها وأفصحت عنها الهيئة العامة للثروة السمكية في ضوء دراستها لواقع قطاع ثروتنا السمكية انطلاقاً من أهداف خطة الهيئة الرامية لتطوير وحماية الثروة السمكية وتنمية مواردها، بالإضافة إلى إدارة وتنشيط الفعاليات المختلفة في قطاع الثروة السمكية في سورية. وبهدف معالجة ما يواجه هذه الثروة الاقتصادية والغذائية من تحديات فقد تبّنت الهيئة استراتيجية عمل جديدة تعتمد في محاورها الأساسية على تشخيص الواقع الحالي لقطاع الثروة السمكية والمشكلات والمعوقات التي تعترض تنميتها كنقطة انطلاق للعمل على إيجاد الحلول المناسبة والمساهمة في النهوض بهذا القطاع الهام والحيوي. ويقول لـ”البعث” الدكتور عبد اللطيف علي مدير عام الهيئة: من خلال دراستنا ومعرفتنا الدقيقة  لواقع الثروة السمكية وجدنا أن هناك صعوبة إنتاج الأسماك من البحر بوسائل الصيد التقليدية، وفقر مياهنا الإقليمية بالمخزون السمكي الناجم عن عوامل متعددة، بعضها يتعلق بالخصائص الطبوغرافية للشاطئ، وبعضها الآخر بالازدياد المطرد للنشاطات البشرية المختلفة على طول الشاطئ والمسطحات المائية العذبة، وأوضح أنّ هذه الصعوبات تحتّم التوجه نحو تطوير الاستزراع السمكي لأسماك المياه العذبة والبحرية لكونه هو الحل لتخفيف الضغط عن كاهل مخزوننا السمكي وحفظه واستدامته للأجيال القادمة، ولزيادة الناتج السمكي المحلي، وبالتالي زيادة نصيب الفرد من لحوم الأسماك، خاصةً إذا علمنا أن استهلاك الفرد في سورية من لحوم الأسماك من الناتج السمكي المحلي لا يتجاوز في أحسن حالاته 0.98 كغ /فرد/ سنة، وأن منظمة الأغذية والزراعة العالمية FAO تنصح بألا يقل استهلاك الفرد  من لحوم الأسماك عن 17كغ /فرد/ سنة لكي يكون غذاؤه صحياً ومتوازناً. وبما أن الناتج السمكي الإجمالي في سورية بمعظمه من أسماك المياه العذبة، إذ يبلغ 81% من الناتج الإجمالي، و19% لأسماك المياه البحرية. ومن خلال معرفتنا وتحليلنا للواقع الراهن لهذا القطاع تم إعداد خطة فنية تجريبية بحثية تعتمد بشكل أساسي على تطوير استزراع  أسماك المياه العذبة لتوفر إمكانية ومؤهلات تنميتها وإدخال التقانات الحديثة فيها، ونقل نتائج البحوث إلى المواطنين عبر شعبة نقل التقانة من خلال الدورات التدريبية والأيام الحقلية.

وأوضح د. علي أنه بالنسبة للخطة الفنيّة البحثية للهيئة فقد تم إعداد خطط بحثية لمجموعة من التجارب التطبيقية حول أثر الوزن الوسطي للزريعة، وأثر الكثافة على الكفاءة الإنتاجية لأسماك الكارب العام والمشط الأزرق في الأحواض الواسعة والأقفاص، وإجراء دراسة تجريبية لتربية أسماك المشط النيلي في الأقفاص تُجرى لأول مرة في سورية، إضافة إلى مجموعة من التجارب البحثية حول الحفظ المستدام للمخزون السمكي في المياه البحرية والعذبة للوصول من خلالها إلى وضع أسس علمية صحيحة لفترات منع الصيد، وتحديد أقطار فتحات الشباك، ووضع مشروعات القرارات المتعلقة بها كاشفاً عن تشكيل لجان علمية متخصصة من الهيئة والجامعات السورية والمنظمات الشعبية ذات الصلة للقيام بتلك المهام. هذا بالإضافة إلى تفعيل دور مديرية الحماية ونقاط المراقبة التابعة لها لمنع التعديات على المسطحات المائية العذبة والبحرية بالتنسيق والتعاون مع مديرية الموانئ والجهات ذات الصلة، وتفعيل دور لجان مراقبة الأسواق والصيديات في مواقع الإنزال، وتنظيم الضبوط اللازمة في حق المخالفين وفق الأنظمة والقوانين النافذة.

ولفت د. علي إلى أنّ الهيئة قامت بإعداد مشروع وطني بعنوان /مزارع الأسماك الأسرية الصغيرة ودورها في دعم التنمية المستدامة لسكان المناطق الريفية في سورية/ وتم تقديمه لمنظمة الأغذية والزراعة العالمية (FAO) لبحث إمكانية التعاون لتنفيذ هذا المشروع لما له من أهمية كبيرة في تأمين الغذاء الصحي لسكان الأرياف. ويوضّح د. علي أن  مفهوم الزراعة الأسرية بوجه عام يشمل كل النشاطات الزراعية التي ترتكز على الأسرة، وهي ترتبط بالعديد من مجالات التنمية الريفية، والزراعة الأسرية وسيلة لتنظيم الإنتاج في مجالات الزراعة والغابات وصيد الأسماك وقطاع تربية الأحياء المائية الذي تقوم بإدارته وتشغيله الأسرة، ويعتمد بصورة رئيسية على العمالة الأسرية من جانب الرجال والنساء معاً. وتأتي أهمية المشروع من استثمار البرك الصغيرة المتوفرة بشكل طبيعي لدى المزارعين لإنتاج كمية من الأسماك كافية للأسرة، خاصة أن الاستهلاك الفعلي للحوم الأسماك- بحسب د. علي- لا يعكس مدى الوعي لأهمية هذا المنتج، ولا يزال سوق الأسماك في سورية  غير متوازن بسبب ضعف القوة الشرائية لدى المواطن وقلة العرض. وعن هدف المشروع يشير إلى استهداف مجموعة من سكان الأرياف في سورية ممن يملكون مزارع سمكية أسرية صغيرة، أو أحواضاً لسقاية المزروعات، أو أحواضاً في حديقة المنزل لاستثمارها في تربية الأسماك وتقديم الزريعة “صغار الأسماك” والدعم الفني لهم، إضافةً إلى إعمار السدود والسدود التجميعية والرامات “البرك الطبيعية”، وسدّات حصاد المياه في المناطق الريفية النائية بإصبعيات الأسماك لتأمين مصدر غذاء ودخل جيد لسكان تلك المناطق، كذلك تقديم الدعم المادي لبعض المزارعين لإنشاء أحواض لتربية الأسماك وسقاية المزروعات، والمساهمة في نشر ثقافة تربية الأسماك في مجتمعاتنا الريفية. كما أن مزاع الأسماك الأسرية متنوعة، فمنها التقليدية الآنفة الذكر، ومنها مزارع الأسماك الأسرية التكاملية: التي تعتمد على المنفعة المتبادلة بين الأسماك والنباتات للوصول إلى منتج عضوي، مثل مزارع تكامل الاستزراع السمكي النباتي. صُمم نظام تكامل الاستزراع السمكي النباتي Aquaponics لتوفير بيئة اصطناعية يتم التحكم بها بحيث تكون مثالية لنمو الأسماك “أو الأحياء المائية الأخرى المستزرعة”، ولنمو النباتات المستخدمة في الزراعة المائية من جهة، والمحافظة على مصادر المياه من جهة أخرى. ويضيف مدير الهيئة: إنّه في هذا النظام تنمو الأسماك والنباتات معاً في علاقة منفعة متبادلة، فالأمونيا الناتجة عن فضلات الأسماك والضارة بتركيز عالٍ في الأحواض، يمكن استخدامها هي وبعض أشكال النتروجين الأخرى من قبل جذور النباتات وتنقية المياه منها ضمن الدارة المغلقة للمياه، فنواتج الاستقلاب الضارة في أحواض الأسماك تكون مفيدة في نمو وإنتاج النباتات. وفي نظام التكامل هذا فإن فضلات الأسماك تؤمن احتياجات النباتات من المواد الغذائية، وبالمقابل فإن امتصاص المغذيات من قبل جذور النباتات يحسن من نوعية المياه ويزيد من إنتاج الأسماك. وهناك أنواع عديدة لمزارع الأسماك التكاملية أهمها: مزارع الأسماك التكاملية مع الطيور، مزراع الأسماك التكاملية مع الحيوانات، مزارع الأسماك على أسطح المنازل، ويمكن تجريبها لاحقاً في الهيئة. وحول الإطار التحضيري يكشف د. علي عن قيام  الهيئة بالتعاون مع الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية ومديرية زراعة اللاذقية، بتنفيذ يومين حقليين حول المزارع الأسرية، وتكامل الاستزراع السمكي النباتي، بهدف تسليط الضوء على أهمية المزارع الأسرية في التنمية الريفية، والمساهمة في زيادة نصيب الفرد في سورية من لحوم الأسماك، مما يؤثر إيجاباً في الناتج السمكي المحلي.