ثقافةصحيفة البعث

أمومة

لست أماً وليس لي أم، فكيف يكون عيد الأم عيداً بالنسبة لي؟..

جملة قالتها وأشاحت بوجهها عني خافية دموعها لتختصر كل حزن العالم بحروف تشبّعث حباً بقدر تشبّعها أمومة..

ضاعت كلماتي وسط كم هائل من الأفكار المتواردة الباحثة عبثاً عن حروف تخفف الألم وتبعث الأمل، وكيف للكلام أن يمتلك القدرة على جسر تلك الهوة بين واقع مر نعيشه وعالم أفضل نحيكه بالكلمات، إلا أننا ننظر إليه بعين الأمل عله يبعث فينا الروح التي تعيننا على الاستمرار..

الأمومة بالنسبة للإنسان ليست غريزة بقدر ما هي حاجة لا يستطيع العيش دونها، هي استكمال لروحه التي خلقت من حب، فكانت الأم هبة السماء للأرض وسر الحياة المقدس، وقلب الكون الذي لا يكف عن النبض بأحاسيس قدت من نور لتهب العالم اللون. وبقدر حاجتنا للأمومة نستطيع وهبها لمن حولنا، ومن قال إن الأمومة تُختصر بالإنجاب؟

الأمومة ليست إنجاباً فقط، هي محبة وعطاء بلا حدود، هي مشاعر سامية حري بها أن تصب في مجراها المتعطش لنقائها، وأن نبني بها الإنسان الذي هو أساس الحياة، وكم نحن، وفي ظل هذه الظروف القاسية، بحاجة إلى هذا النوع من المشاعر كي نعمر روحاً تهدمت بفعل حرب قضت على ما تبقى من حياة داخلنا، إننا بحاجة لاحتضان ذواتنا ولملمة البقية المتبقية من حبنا لنواجه قسوة هذا العالم، وبمشاعر الأمومة وحدها نعيد بناء ما تهدم.

وعلى هذه الأرض تجلت الأمومة بكل مظاهرها ومفرداتها، الأم التي أعطت، والأخت التي فقدت، والحبيبة التي رهنت عمرها للانتظار، لقد عاشت الأم السورية كل مشاعر المعاناة التي لم تعشها أي أم في هذا العالم، إلا أنها ورغم نزيف الجراح وعمق الحزن برهنت قدرتها على صهر كل هذه المعاناة في بوتقة الأمل.

لقد جسدت كل امرأة سورية، حتى وإن لم تكن أماً، الأمومة بمعناها الأسمى واستطاعت أن تهب الحب بأقدس تجلياته في زمن هو الأصعب، زمن الحرب..

لا تحزني يا صديقتي فأنت أم استثنائية.. وهذا العيد عيدك.

هديل فيزو