النظام العالمي والحاجة إلى نموذج تنموي جديد؟
ترجمة: عناية ناصر عن موقع يوراسيارفيو – 11/3/2018
أحدث التغير الدائم “للصفائح التكتونية” للاقتصاد والأعمال والتكنولوجيا والسياسة والأمن في جميع أنحاء العالم حقبة من عدم اليقين، ما أدى إلى تراجع الثقة العالمية، فإلى أين نحن ماضون؟.
مر عقد على الأزمة المالية العالمية 2007- 2008، وللتخفيف من أن تتطور الصدمة المالية إلى ركود عالمي شامل، قدمت البنوك الاحتياطية الفيدرالية الأمريكية، والبنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان حوافز مشتركة بضخ أكثر من 13 تريليون دولار أمريكي للحفاظ على أسعار الفائدة في أقل مستوياتها ما يقارب الصفر، أو حتى أقل من الصفر.
ومع ذلك، فإن هذه الحوافز المادية ليست حلاً مستداماً، وعلى الرغم من المؤشرات القوية للنمو الاقتصادي في العام الماضي، لا يزال النظام المالي العالمي في وضع هش. في الواقع، شهدت السنوات العشر الأخيرة ظهور اتجاهات اجتماعية واقتصادية مزعجة، بما في ذلك ارتفاع نسبة الدين العالمي بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، والتوزيع غير المتوازن للثروة، والأكثر إثارة للقلق، هو “العجز في ائتمان رأس المال العالمي”.
تحويل “الصفائح التكتونية”
وصلت الديون العالمية إلى مستوى قياسي بلغ 233 تريليون دولار أمريكي في الربع الثالث من عام 2017، وحذرت صحيفة فاينانشيال تايمز من أن “الاقتصاد العالمي يعيش في زمن الاقتراض”، لقد تجاوز النمو التوقعات، وتجهد الحكومات لسداد الفوائد، ومع أن الأزمة الكاملة لم تحدث، إلا أن نقاط الضعف واضحة، ويأتي في مقدمتها التفاوت المتزايد في الثروة العالمية، وارتفاع بطالة الشباب في سنوات ما بعد الأزمة.
علاوة على ذلك، بدأت سوق الأوراق المالية تتحول فجأة نحو الجنوب، ما يشير إلى استمرار تقلبات السوق على مستوى العالم، ويعد المستثمرون أنفسهم الآن بارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة.
بالنسبة لمعظم العمال العاديين الذين فقدوا وظائفهم و/أو المعرضين لخطر فقدان معاشاتهم التقاعدية، فإن الضعف، وعدم اليقين، وعدم استدامة النظام الاقتصادي الحالي هي حقيقية للغاية. يعيش العمال في عصر الثورة الصناعية الرابعة، كما يواجهون انعدام أمن وظيفي غير مسبوق.
لقد أصبحت العمالة عبر القطاعات غير مؤكدة، حيث تهدد التطورات التكنولوجية الجديدة بالسيطرة على القوى العاملة، وسوف تؤثر حتى على المتعلمين جيداً أو المؤهلين تأهيلاً عالياً. طالما يمكن تقنين العمل، بغض النظر عما إذا كان يستند إلى دليل، أو يعتمد على المعرفة، وبالتالي يمكن أن تنتقل العديد من الوظائف عن طريق أجهزة الكمبيوتر والروبوتات في المستقبل.
وعموماً ، فإن هذه الاتجاهات الاقتصادية تشكل “الصفائح التكتونية”، إلى جانب قضايا أمنية واجتماعية أخرى مثل العيش مع القلق في مواجهة الإرهاب المتصاعد وتغير المناخ، وبدفع وجر بعضها البعض باستمرار. تقوم القوى المتغيرة تدريجياً بزيادة الضغوط التي قد تؤدي إلى زلزال اقتصادي عالمي آخر.
رأس المال العالمي
بشرت نهاية الحرب العالمية الثانية بعصر جديد من العولمة. تحت قيادة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، فقد مهدت اتفاقيات بريتون وودز، وتطوير المؤسسات العالمية مثل الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة (GATT)، وصندوق النقد الدولي (IMF)، والبنك الدولي، الطريق للنظام الاقتصادي الجديد، وعلى الرغم من الخلافات العرضية، فقد أنتج هذا النظام الجديد الثروة والسلام والقضاء على الفقر في معظم أجزاء منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، والعديد من الاقتصاديات الآسيوية الناشئة حتى عام 2007.
لكن منذ الأزمة المالية العالمية 2007/2008 ، بدا أن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الطويلة وغير المستقرة والشائكة تقوض الثقة في النظام الأنغلوساكسوني ومؤسساته الدولية، وقد لوحظ وجود اتجاه على المستوى الدولي على مدى العقود الماضية، تمثّل بابتعاد الاقتصاديات النامية عن تمويل صندوق النقد الدولي، وبدلاً من ذلك كانت تقوم بإنشاء مصادر تمويل إقليمية بديلة.
حتى الغرب المتقدم، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، فقد بشكل متزايد الثقة والأمل في النظام العالمي الذين كانوا مسؤولين عن إنشائه، وأصبحت الحكومات الديمقراطية الغربية مشوشة، وأكثر تطلعاً نحو الداخل. لقد أدت المخاوف من التنافس على الوظائف، والإرهاب، وتآكل قواعد الهوية المحلية، إلى زيادة النزعة القومية اليمينية والشعبوية والمشاعر المعادية للأجانب عالمياً، وبشكل ملحوظ، ولا سيما في الغرب المتقدم، بالإضافة إلى ذلك، هناك قلق متزايد داخل حلف الناتو، وتصور أن الضمان الأمني من قبل الولايات المتحدة ربما لم يعد صالحاً، فبعد اجتماع قصير مع الرئيس ترامب في أيار 2017، قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل: إنه يجب على الأوروبيين أن ” يعتمدوا على أنفسهم “، وفي وقت لاحق، في كانون الأول 2017، تم تأسيس التعاون الهيكلي الدائم (PESCO) رسمياً، حيث تم الاتفاق مع 25 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي على توثيق التعاون الأمني والدفاعي.
هل بمقدور الصين توفير ملاذ آمن جديد؟
بالنظر إلى ما سبق، نريد أن نبدأ النقاش حول كيف يمكن إعادة بناء “ائتمان رأس المال العالمي”. إن تراجع الغرب المتقدم قد طغت عليه عودة الصين كقوة اقتصادية عالمية. وفقاً لصندوق النقد الدولي، تجاوزت الصين الولايات المتحدة في حصتها من إجمالي الناتج المحلي العالمي في عام 2014، حيث أنتجت 17٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي (على أساس تعادل القوة الشرائية) مقارنةً بنسبة 16٪ للولايات المتحدة. ورداً على ذلك، طرح الكثيرون ما إذا كانت الصين ستقوم بشغل الدور القيادي في النظام الاقتصادي العالمي، وتقديم نموذج اقتصادي جديد، وقد تردد صدى هذا الموقف الواثق داخل الصين نفسها، خاصة خلال مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني التاسع عشر. فخلال كلمته الافتتاحية، أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ التزام الصين بالتعاون الدولي والتكامل الاقتصادي العالمي، معلناً أن الوقت قد حان، لأن تأخذ الصين زمام القيادة العالمية كجزء من خطة الصين لجعل “الحلم الصيني” حقيقة واقعة.
ومع ذلك، يبدو أن هناك شعوراً بعدم الارتياح تجاه فكرة النظام العالمي الذي تقوده الصين، خاصة من وجهة نظر المثقفين والإعلام الغربيين، منذ بداية الاستعمار في القرن الخامس عشر، سيطر النصف الغربي من الكرة الأرضية على القيادة العالمية، بالإضافة إلى ذلك، فهم لا يخفون قلقهم من عدم التوافق بين النظام السياسي الصيني الحالي والمثل الغربية للديمقراطية والحرية.
في ظل الأجواء الحالية من عدم الثقة في العولمة والنظام الدولي العالمي، ما هي الضمانات التي يمكن أن تمنحها الصين للعالم لتؤكد أن النموذج الصيني يمكن أن يوفر “ملاذاً آمناً” جديداً؟ مع فرض التعريفات الجمركية المرتفعة الأخيرة على بعض السلع التي بدأتها الولايات المتحدة، يمكن أن ينجر العالم إلى حروب تجارية. من المناسب أن توفر الصين بعض الاستقرار، وتقلل من حدة التوتر عن طريق تسريع مبادرة طريق الحزام والطريق. على سبيل المثال، في منطقة جنوب شرق آسيا، يمكن للصين أن تعجل بتنمية الموانئ والشحن لتعزيز التجارة والربط الاقتصادي. علاوة على ذلك، يمكن أن تكون هذه الرابطة المعززة حافزاً لـ ASEAN + 6 لإبرام الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية (RCEP) في أقرب وقت ممكن.
من ناحية الاستثمار، يمكن للصين أيضاً زيادة وتوسيع استثماراتها في منطقة الآسيان، وخاصة في قطاعات التنمية التي يمكن أن توفر وظائف أكثر مهارة لتلبية تطلعات السكان العاملين المتعلمين بشكل متزايد في جنوب شرق آسيا.
والأهم من ذلك، وبينما يظل البشر عالقين بين القوى التكتونية المتحركة باستمرار، بدلاً من الاعتماد على ملاذ آمن جديد، ربما يتعين على العالم التفكير في إنشاء شبكة من الملاذات الآمنة التي تتنافس وتتعاون، كما هو الحال في السوق الحرة.