في عيدها.. الأم المثابرة.. قصص كفاح.. وعمل نابض بالحب والعطاء
تستقبل الأمهات عيد الأم بمشاعر وانطباعات خاصة، ويأخذ الاحتفال بهذه المناسبة أهمية خاصة أيضاً عند الأطفال والصغار، فما أسعد الأمهات وهن يعشن يومهن وعيدهن، ويقرأنه في عيون وفرحة أبنائهن، وهم يتسابقون نحوهن للتهنئة، وتقديم الهدايا، والاستمتاع بالمناسبة بشكل استثنائي، في الوقت ذاته نرى أمهات يعشن هذه المناسبة بشكل آخر، أمهات يكتمن ألمهن وحزنهن وحرمانهن، وهن يعشن بعيداً عن أطفالهن في هذا اليوم، كما هي أيام السنة، إنهن الأمهات العاملات اللاتي أجبرتهن الحياة على البعد عن أسرهن وأطفالهن من أجل العمل، ولتأمين مصدر لعيش يؤمن حياة أفضل لهن ولأسرهن.
أمهات مثابرات
تعج الشوارع بقصص الأمهات المثابرات، اللاتي يقدمن حياتهن فداءً لأولادهن، حيث لا عقبات تستطيع أثناءهن عن محاولة توفير لقمة العيش والحياة الكريمة لفلذات الأكباد.
هيام القطامي، تدرجت في مهام عدة منذ ثلاثين عاماً، مديرة لفرع الإسكان العسكري- فرع البناء والتعمير، وحالياً مديرة في السورية للتجارة.. ثلاثون عاماً من العطاء في ميادين مختلفة، استطاعت أن تحقق العديد من الإنجازات، ولكن هل انعكست هذه العطاءات، وما تحتاجه من وقت وجهد مع منزلها وأطفالها، وكيف كانت توفّق بين منزلها وعملها، تقول المهندسة القطامي: نجاح المرأة داخل منزلها هو النجاح الحقيقي، لأن الأسرة هي اللبنة الأساسية في المجتمع، فمن لم يستطع النجاح في بيته، لن يستطيع النجاح في مجتمعه الأوسع، هذا النجاح له مقومات أساسها، كان الرجل الذي واكب هذه المراحل كلها هو والدي، ومن ثم زوجي اللذان وفرا البيئة المناسبة للنجاح والعمل، ورغم كل الوقت والجهد الذي تحتاجه طبيعة عملي في المؤسسة، إلا أن البيت خط أحمر في احتياجاته.
قدرات مضاعفة
رحمة تنزل على قلب الأم مع ولادة كل طفل لها، لتحمل عاطفة قد تتحدى بها العالم كله من أجل حمایة أبنائها وإسعادهم، فمع أول بكاء لطفلها تتجمع كل مشاعر الحب فیها، لیصبح هذا الطفل خیارها الأول في الحیاة.
رحاب خداج 34 عاماً، موظفة في السورية للتجارة، وأم لطالب ماجستير في الفيزياء، وآخر في الهندسة الزراعية، ورغم مرضها وما تعانيه، مصرة على الاستمرار في دوامها، مؤمنة بقدرات منحها الله إليها، وبالتالي لا تبخل في أي جهد أو عطاء.. تقول خداج: “الإنسان أقدر من أن يضع حدوداً لقدراته، وهو قادر على التوفيق بين احتياجاته الشخصية والمهنية والمنزلية، طبعاً هذه الموازنة تحتاج إلى المزيد من التنازلات عن الاهتمامات الأولية، فالحياة ليست سهلة، فقدراتي كافة سخرتها لخدمة عملي ومنزلي، والأهم هو تربية الأطفال التربية التي تليق بهم.
وفي الفرن الآلي قصة الأم العاملة لها دلالات أخرى، فالإرهاق والتعب وطبيعة العمل القاسية تعطي لكلمة الأم دلالات إضافية..
سوسن عبيد 25 سنة، لديها ثلاثة أطفال، تعمل ثماني ساعات متواصلة، ومثلها غادة اللوص، وسميرة الغوطاني، وكلهن عليهن بذل جهد مضاعف لتحقيق التوافق بين تربية الأطفال وطبيعة العمل.
أما هدى، والتي تعمل في تنظيف المنازل، تضع يديها على عينيها خجلاً من الأسئلة التي وجهتها إليها كأم هذه المرة، وليست بصفتها خادمة في المنزل الذي تعمل به. عيد الأم الجديد يحل عليها، ويستدعي الدموع إلى عينيها، وهي بعيدة عن أطفالها، وتقول: “لم أحتفل يوماً بعيد الأم، ولم أكن أسمع عنه، فقد تعرّفت على هذا العيد في المنازل التي أعمل بها”. ويختفي خجلها تدريجياً، وتقول: “أنجبت طفلي الأول العام الماضي، وبعد ولادته ببضعة أشهر بدأت العمل في المنازل، رغم ذلك لا تخفي حزنها، لأنها لا تراقب نموّه”، وتقول هدى:”علاقتي بابني تقتصر على رؤيته آخر الليل، ولا أسمع إلا صوت صراخه وبكائه، وأكتفي بالاطمئنان عن حالته من والدتي”.
عطاء لا حدود له
والأم كلمة تحمل كتلة لا حدود لها من معاني الحب والعطف، كلمة لا تعرف حدود الحرمان، لا نمل جميعاً من تكرارها، بل تزداد كل يوم ارتقاء وسمواً، وتظل سراً يكتنز دفء الحياة بأكملها، وتظل الأم المرفأ الذي يشتاق إليه جميع من تستهويه نفسه للبحر والسفر، وتشعر بالخوف والقلق والتوتر الدائم على كل من حولها، وتخفي أموراً كثيرة تقلقها، وتحاول المستحيل لترى السعادة في وجوه أطفالها.
والحقيقة أن الكلام يظل ناقصاً مهما اكتمل عن الأم، وعن هذه الكلمة التي تحمل في طياتها الكثير والكثير، وهي كلمة لا تفارق شفاه الجميع وحروفها تلازمنا، ولا نجيد من خلالها فن التعبير عن إيصال المعنى الحقيقي لمشاعرنا تجاهها، ولما تستحقه بالفعل، ومهما قلنا، وقلنا يبقى قليلاً، ولا يفي الأم حقها.
“البعث” استطلعت مجموعة من الآراء، لتقف على فرحة الناس في عيد الأم، وكيف يحتفلون بهذا اليوم، وكانت الآراء الآتية:
في البداية أكدت هزار مكارم أن فرحة العيد اختلفت عن أيام زمان، ولم تعد تحمل نفس البهجة، ففي السابق كان الأولاد يوفرون النقود، ويجلبون للأم شيئاً، ولو صغيراً ومعنوياً وتكون سعيدة به، بينما الآن نرى أن الأم حزينة ومرهقة ومتعبة، ولا تحتاج سوى كلمة صغيرة “تطبطب” عليها، فالأم لا تحتاج إلى الهدايا، بل تحتاج أن ترى أولادها بقربها، وتسعد لسعادتهم واجتماعهم حولها، حتى ولو على “كيكة” صغيرة، تعبّر لها عن جمعتنا معها، وأننا يد واحدة، وهذا ما يجعلها سعيدة.
من جانبها، قالت هديل مزهر: الأم هي عمود البيت، ولولا الأم لما نمت الأجيال، وأمي إن طلبت روحي أعطيها، فالأم هي النبع الكبير والعطاء، والأم تشعر بأولادها في حزنهم وفرحهم، وتفهمهم من نظرة عيونهم، والأم هي التي تربي، وليس التي تلد فقط، والأم الصالحة هي التي تنشئ أجيالاً صالحة، وأنا أتمنى أن أهدي أمي الألماس، لأنها هي الماسة الحقيقية، ولو وُجد شيء أغلى من الألماس أتوق لأقدّمه لها، لأنها تستحق الغالي والنفيس.
أعز من الدنيا
من جانبه قال ضياء كيوان: اللسان يعجز عن وصف الأم، والأم هي التي تجمع الأولاد والأحفاد، وتقربهم من بعض، وهي الوحيدة التي تحرم نفسها من أجل عيالها، ولا تفرح بشيء إن لم يكونوا بجانبها، فهي أساس البيت، وهي الشعلة المنيرة فيه، فربنا يطول بعمرها، ويعطيها الصحة والعافية.
وأشارت جيهان صعب إلى أن الأم شيء عظيم، فهي دائماً ما تكون بجانب أولادها في السراء والضراء، ولا تتخلى عنهم، حتى لو تخلى عنهم الجميع، لأن محبتها غير مزيفة، وليست مبنية على المصالح.
وأضافت: ترجع نوعية الهدية حسب الميزانية، فمن الممكن أن تكون ذهباً أو ساعة، وممكن أن تكون باقة من الورود، ولكن يبقى العيد جميلاً بقيمته المعنوية، وليس المادية، ويجب أن نعطي الأم حقها دائماً، ولا ننتظر يوماً واحداً لنحتفل فيه.
وقال أسامة الياسين: أمي كل شيء في حياتي، وأنا أحب أن أعبّر لها عن محبتي بنجاحي وتفوقي، وأهديها وروداً واكسسوارات على شكل قلب، وأي شي تكون سعيدة به، وأعرف أن أسعد شيء لديها أن تراني متفوقاً وناجحاً في حياتي أنا وإخوتي، وأتمنى من الله أن يعطيها الصحة، وأن تظل كالوردة الفواحة تنشر عطرها.
من جهته مطيع السمان، قال: الكثير من الناس لا تنتظر المقابل عند العطاء، لكن كل أم تدب بقلبها الفرحة لنجاح أبنائها، وتفرح بتواجد أبنائها حولها، فعيد الأم له طابع جميل ورائع، فللجمعة الطيبة بالأبناء تأثير كبير، كأنه موسم الحصاد للمزارع، فوردة من ابني أو ابنتي هي أمر بسيط، ولكن تأثيره كبير على قلبي، فهو تعبير عن الحب والامتنان، فبعض أبنائي يأتون بإنجازاتهم ويشكرونني على وقوفي بجانبهم، فهذه هي أهم هدية لديّ، ولا يوجد مكان أفضل من البيت الذي نعيش به.
أما حسين عز الدين، فيقول: لكل منا حياته، وأصبحت مشاغل الحياة كبيرة، ولكن كل هذه المشاغل بكفة، وأمي بكفة أخرى، فهي كل شيء بالنسبة لي، فلها كل تقديري واحترامي، وفي عيد الأم بالأخص أفرغ نفسي بالكامل، فهو يوم أمي، وليس هذا اليوم فقط، بل كل يوم، وكل سنة أحضر لها ما استطعت من الذهب أو المجوهرات بشكل عام، بالإضافة إلى الأزهار ونخرج للعشاء مع جميع العائلة، حيث إنني أعشق نظرة أمي عندما ترى أبناءها وأحفادها بجانبها، فالحب الذي بقلبها لا يسعه الكون.
رفعت الديك