بدوافع مادية أطباء يسارعون لإجراء عمليات جراحية غير ضرورية.. والنقابة تدعو المرضى للشكوى
الانفلات المهني هو التوصيف الدقيق لواقع مهنة الطب في الآونة الأخيرة خاصة مع اختلاف العديد من المعايير والقيم التي كانت سابقاً تمثل ميثاق شرف للأطباء، ولكن بالرغم من هذا الواقع السوداوي، إلا أنه لم يستطع إطفاء بقعة الضوء في عمل القلة القليلة من الأطباء الذين يلتزمون ميثاق الشرف في عملهم لخدمة الناس والمرضى بعيداً عن الأطماع المادية والرغبة في مراكمة الثروات الطائلة من خلال تحويل المرضى من المستشفيات العامة إلى عياداتهم الخاصة، ومن ثم استجرار المريض لعمل جراحي قد لا يحتاجه، لكنه يحقق للطبيب ربحاً مادياً كبيراً يساعده في توفيركل عوامل الترفيه والبرستيج التي تتناسب مع مهنته، وهذا تماماً ما يحصل في معظم العيادات الطبية بغياب قانون الصحة أو تغييبه وعدم فعاليته، فمعظم الضحايا الذين يقعون في فخ العيادات الفاخرة لا يستطعيون إيجاد من ينصفهم.
ابتزاز طبي
لن نتحدث عن الأخطاء الطبية التي تتسبب بموت المريض، فهي أخطاء اعتدنا تصنيفها في لائحة القضاء والقدر، وفي معظم هذه الحالات لا تطالب عائلة المتوفى بأي تحقيق، أو مساءلة عن سبب الوفاة، أو حتى إدانة الطبيب الذي أخطأ، لكننا نتساءل عن ظاهرة جديدة تجتاح العيادات الخاصة، وهي إجراء العمليات للمرضى قبل التأكد من ضرورتها، حالات كثيرة استمعنا لها ممن تعرضوا لهذا النوع من الابتزاز الطبي، منها قصة الشابة رنا الحموي، فتاة متزوجة، اتجهت إلى إحدى الطبيبات لفحص رحمها، وبعد فحص بسيط وبأجهزة متواضعة، أكدت لها الطبيبة أن لديها كتلة يجب استئصالها، استغربت الشابة من هذه النتيجة، وخاصة عندما أسرعت الطبيبة، وأعطتها رقم المشفى وعنوانه لإجراء العملية وموعدها مباشرة بعد فحص لم يتجاوز الثواني، والأهم أنها طالبت بأجر العملية مسبقاً، هنا لم تقتنع الشابة بأسلوب الطبيبة، وخرجت مكتئبة وحزينة، وسارعت إلى طبيب آخر لتجري فحصاً جديداً لتتبين بعدها عدم وجود كتلة أصلاً، وللاطمئنان ذهبت إلى أحد المشافي الحكومية لتثبت لها التحاليل والصور أنها سليمة، ولا تحتاج لأي عمل جراحي، وفي حالة أخرى تعرض لها أحد الأشخاص لكشف عن ألم يشعر به بأمعائه حينها أصر الطبيب أن يجري له عملية استئصال “الزايدة”، علماً أن المريض لا يشكو منها، وبالأسلوب نفسه تم توجيهه إلى مشفى خاص مع المبلغ الذي يجب أن يدفعه للطبيب.. حالات عديدة لا يمكن ذكرها قد تكون أخطر بكثير مما ذكرناه.
خلل الأجهزة
يبرر أهل الاختصاص هذه الحالات، أنها تعود لسوء التشخيص، وهنا نتساءل لماذا لا يلجأ هذا النوع من الأطباء إلى طلب التحاليل والفحوصات المطلوبة قبل دفع المريض إلى تلك المشافي، والتأكد من حالة المريض قبل إجراء أي عمل جراحي له، الدكتور سمير منصور الاختصاصي بالطب العام تحدث بصراحة أن هناك دافعاً مادياً يبحث عنه هذا النوع من الأطباء، وعلى المريض أن يتأكد من حالته قبل إجراء أية عملية، واللجوء لأكثر من مختص خوفاً من حدوث عواقب لا يحمد عقباها، ويضيف منصور: بعض العيادات لا تمتلك الأجهزة الدقيقة التي تكشف عن الأمراض بصورة واضحة، وقد يكون هناك خلل في تلك الأجهزة، ما يتسبب بتشخيص خاطئ، لذلك على المريض التأكد من حالته قبل أي عمل جراحي عن طريق التحاليل أو الصور الشعاعية، وهي إجراءات هامة للتأكد من جود أي مرض، وعدم الاستسلام لرأي طبيب في جلسة واحدة، فهي غير كافية لإجراء عمل جراحي.
مجلس تأديبي
نعلم جيداً أنه لا يوجد أية رقابة على العيادات الخاصة من قبل وزارة الصحة، وأن الطبيب لا يُلام على تشخيصه الخاطئ، أو حتى على عدم وجود أجهزة طبية مناسبة في عيادته لكشف الأمراض، كوجود عطل، أو خلل فيها يؤدي إلى تشخيص خاطئ، ومن وجهة نظر نقيب أطباء دمشق يوسف أسعد في حالات ابتزاز المريض ودفعه لعمل جراحي فقط من أجل الحصول على المال يقول: إن هذه الحالات نادرة وقليلة، والمسؤولية هنا تقع على المرضى لعدم تقديم شكوى على الطبيب الذي يقوم بهذا النوع من الابتزاز، وعدم لجوئه للفحوصات والتحاليل المطلوبة قبل إجراء أي عمل جراحي، وأكد يوسف أن النقابة فيها محكمة يتم من خلالها دعوة الطبيب المدعى عليه إلى المجلس التأديبي الذي يضم ثلاثة أطباء من الاختصاص نفسه يعملون على إثبات حقيقة الشكوى، وفي حال تبيّن خطأ الطبيب تتم معاقبته، وهناك عقوبات تقضي بإغلاق العيادة لمدة ثلاثة أشهر، أو منع الطبيب من مزاولة المهنة، وغيرها من العقوبات الرادعة بحسب الخطأ الحاصل، لكن المشكلة أنه لا توجد ثقافة الشكوى والادعاء على الطبيب، ونحن لا نستطيع القيام بأي إجراء إذا لم تكن لدينا شكوى من المريض الذي تعرّض للابتزاز.
ثقافة الشكوى
لا ننكر أن ثقافة الشكوى غائبة في مجتمعنا، فالجميع يلجأ للصمت والكتمان، وقد يكون ذلك نتيجة عدم الثقة بجدوى الشكوى وفعاليتها، لكن أسعد يرى ضرورة عدم إهمال أية شكوى، وفي حال وجودها فإن النقابة تعمل على دعوة الطبيب ومساءلته بشكل قانوني ومحاسبته، ولكن نادراً ما يلجأ مريض للنقابة ويقدم شكوى ما، علماً أن هذا حق من حقوقه، ولا يمكن الاستهتار به وتجاهله، وهو بذلك يساعد النقابة على تحصيل حقه من الطبيب الذي أخطأ معه، وكشف المشكلات التي يتعرّض لها الناس في بعض العيادات، لذلك من المهم جداً نشر هذه الثقافة والاعتماد عليها في حل الخلافات المتعلقة بأداء الأطباء في عياداتهم، أو في المشافي، بالإضافة إلى أن للشكوى دوراً هاماً للارتقاء بعملنا، وتحسين الخدمات الطبية في العيادات والمشافي، وهذا يحتاج إلى تعاون دائم بين النقابة والمواطن، ولا يمكن الاعتماد على طرف واحد فقط.
عامل الثقة
ندعو بدورنا لنشر ثقافة الشكوى، إلا أن هناك وجهة نظر للناس لرفضهم تقديم شكوى على طبيب سبّب لهم الأذى الجسدي والنفسي معاً، كفقدان عامل الثقة بينهم وبين النقابة من جهة، والتفاف النقابة لحماية الطبيب من جهة أخرى، وهنا يؤكد دكتور الأمراض العصبية يونس إسماعيل بأن الأخطاء الطبية واردة جداً، وتحصل حتى مع عائلات الأطباء أحياناً، لكن الأمر المرفوض هو استغلال المريض ودفعه لعمل جراحي قبل التأكد فعلياً من ضرورة إجرائه، ففي كل الأحوال يتم العمل الجراحي كحل نهائي للحالة المرضية، وعدم فعالية الحلول الدوائية، وغيرها، ويرى إسماعيل أن هناك بعض المرضى يدفعون الطبيب لإجراء العمل الجراحي، لذلك فإن المسؤولية تقع على الطرفين الطبيب والمريض، ومع ذلك يجب نشر ثقافة الشكوى لحصول المريض على حقه في حال تعرّضه للابتزاز من قبل أحد الأطباء، وبالتالي حماية آخرين من التعرّض لهذا النوع من الأخطاء.
وجهة نظر
رغم الاعتراض على بعض الأطباء الذين تغريهم “الكشفيات”، وأجور العمليات المرتفعة، إلا أننا لن نتجاهل نخبة من أهم الأطباء الذين يقدمون خدماتهم مجاناً في المراكز الصحية، وبعضهم الآخر لم تجبرهم الأزمة لرفع أجور كشفياتهم، بل قدموا خدماتهم بأسعار رمزية خاصة للمهجّرين والفقراء، فمهنة الطب مازالت تحمل جانباً مهماً من الإنسانية والرحمة لا يمكن تجاهلها عند الكثير من الأطباء الذين نعوّل عليهم للارتقاء بهذه المهنة، ورفع مستوى المستشفيات، والمراكز الطبية، والخدمة العلاجية فيها.
ميادة حسن