“الإنتاج” على محك عصف ذهني يخرجه من عنق الزجاجة العقليـــة النمطيـــة للصناعييـــن تحــول دون التعاطــي الإيجابــي مــع التســهيلات الحكوميـــة
على الرغم من التسهيلات الحكومية المقدمة للصناعيين سواء أكانت مصرفية أم ضريبية، فإن أصوات العديدين لا تزال تتعالى لجهة المطالبة بالمزيد منها في كل اجتماع يُعقد لهذه الغاية، ما يشي بأحد أمرين؛ إما أن ما قدمته الحكومة ليس مجدياً بالفعل ولا يحقق أدنى متطلبات العجلة الإنتاجية، وإما أن الصناعيين يمتطون الوقت بغية الحصول على الحد الأعلى من المطالب التي قد ترهق القطاع المالي والمصرفي، وفي كلتا الحالتين فإن الخسارة مثبتة على كل الأطراف بضياع الوقت وتأجيل مرحلة الانطلاق الصناعي المثمر.
قد يكون استنكار ورفض الصناعيين لعرض وزير المالية برهن بيوتهم لتأمين ضمانات عقارية تمكنهم من الحصول السريع على التمويل من المصارف العامة، والإقلاع بمنشآتهم، بالإضافة إلى عدم رضاهم عن قروض ميسرة بفائدة مابين 8% إلى 10%، وممارسة الضغط على الحكومة للوصول إلى فائدة أقلها 6%، دليلاً واضحاً على سيطرة نمطية تفكير الصناعي “بجني أكبر للمكاسب” والتي لا يزال يراهن عليها علىالرغم من خصوصية هذه المرحلة التي تحتاج إلى مرونة وتفاعل من الجانبين علهما يتجاوزان عنق الزجاجة كسباً للوقت!
ليست فرصة
ولدى محاولاتنا استيضاح واقع الأمر من أهل كار الصناعة ومعرفة مدى الدعم الحكومي المقدم لهم من عدمه، لم يتوانَ رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها سامر الدبس عن مناصرة الصناعيين في تطلعاتهم، رافضاً ما يعتبره البعض أن هذه التسهيلات بمنزلة “فرصة”، وتسمية القروض المقدمة بـ”الميسرة”، بل هي قروض عادية لا تلبي الحاجة الفعلية للصناعيين، ولا تزال في خانة القروض المرهقة لصناعيين باتت “منشآتهم على الأرض”، وتحتاج إلى مبالغ ضخمة وتسهيلات أكبر كي يستطيعوا النهوض بها، مجدداً المطالبة بخفض الفائدة إلى 6% كيلا يقع الصناعي في خانة المتعثرين، وعلى الرغم من تأكيد المصارف العامة على عدم قدرتها بل خسارتها فيما لو اعتمدت الـ 6%، أصر الدبس على رأيه وأضاف: “أن المصارف يمكنها تحميل الخسائر على نواحٍ أخرى تحقق من خلالها أرباحاً”!
وعلى الرغم من عدم وجود تسهيلات فعلية للصناعيين بحسب الدبس، إلا أن هناك 40 منشأة في تل كردي باشرت الإنتاج، تضمنت على سبيل المثال معامل سيارات ومراوح وأدوات كهربائية، و26 منشأة قيد الترميم من أصل 138 منشأة، معتبراً أنها أرقام مبشرة. وتقوم الغرفة حالياً بمسح عدد المنشآت في منطقتي سقبا وحمورية بغية إعادة تسليمها لأصحابها، وحاول الدبس إدارة دفة الحديث إلى المقارنة بين المزايا الممنوحة للقطاعيين الصناعي والزراعي، من حيث القروض الممنوحة بفائدة 0% للأخير، وتخفيض أسعار المحروقات إلى 180 ليرة، في حين حددت للصناعي بـ 288 ليرة، ولدى سؤالنا عن توحيد أسعار المحروقات أكد الدبس أنهم تخلوا عن مطلبهم لضمان استجرارهم المحروقات من الفائض المهرب من القطاع الزراعي بسعر أقل يراوح بين 230 و 240 ليرة، وختم الدبس بتأكيده على أن القطاع الصناعي لا يقل أهمية عن نظيره الزراعي، ويجب على الحكومة إيجاد الحلول المجدية التي تترجم إنتاجاً على أرض الواقع.
ضمانات
تحاول المصارف العامة تبديد النظرة السوداوية للصناعيين تجاه ما تقدمه من تسهيلات ائتمانية، في مساعٍ منها لتذليل ما يعترض عودة الصناعة من عقبات خاصة التمويل منها؛ إذ أكدت مصادر في المصرف الصناعي قبول المصرف لضمانات شخصية، بالإضافة إلى ضمانة (الآلات والآليات) بنسب معينة في حال عدم امتلاك الصناعي ضمانات عقارية كافية، وبنسبة فائدة 10% للقروض الإنتاجية، إضافة إلى إلغائه للأولويات في عملية المنح، لتوسيع قاعدة شريحة المستفيدين، وحول السؤال عن إمكانية تخفيض نسبة الفائدة إلى 8% كما طالب بها الصناعيون، أكدت المصادر أن المصرف غير قادر على تخفيض نسبة الفائدة على غرار المصرف التجاري الذي قدم عرضاً خفض فيه الفائدة إلى 8% لقرض قصير الأجل، وذلك لكون هذه النسبة ترتب خسائر على المصرف، مبينة أن النسبة قد تكون قابلة للتطبيق في حال تم التكاتف بين المصرفيين، وبينت المصادر أن المصرف يمنح قروضاً للتأهيل والترميم، بالإضافة إلى قروض لخطوط الإنتاج الجديدة والمستعملة.
مخاطر
وفي إطار تذليل عقبات الصناعيين بالحصول على وثائق ملكية، تمخضت مساعي المصالح العقارية عن تأمين قيد عقاري للصناعيين الذين فقدوا وثائقهم في المناطق الساخنة، عن تقديمهم مقترحاً إلى وزارة الإدارة المحلية والبيئة لاستصدار بيان عقاري جديد يقدم إلى الجهات المختصة بهدف مساعدة الصناعيين في تسيير أمورهم الإدارية؛ إذ أكد مدير عام المصالح العقارية المهندس عبد الكريم إدريس أن هذا البيان هو لتأمين إثبات ملكية الصناعيين لمنشآتهم، ويمكّنهم من متابعة ما يتعلق بالأمور الإدارية من تجديد التراخيص والدخول إلى منشآتهم للمباشرة في عملية الإنتاج، ومتابعة الأمور الخدمية في المنطقة. وفيما يتعلق بمدى صلاحية هذا البيان في مسألة التمويل أكد إدريس أن المصارف هي صاحبة القرار في تحديد صلاحية البيان في منح قروض، وفي هذا السياق أكد مصدر مصرفي أن البيان العقاري الجديد غير مقبول في المصرف، وذلك لكون هذه البيانات أو السجلات المؤقتة المتممة لا تتضمن الوقوعات الحاصلة على العقار من (إشارة دعوى تثبيت بيع، حجز، منع تصرف..) وبالتالي في حال إمكانية وضع إشارة تأمين على السجلات المؤقتة المتممة تكون على مسؤولية المصرف من دون معرفة لأية إشارة سابقة لإشارة المصرف؛ ولذلك فإن قبول البيانات العقارية الجديدة كوثيقة للمنح يزيد من مخاطر تحصيل حق المصرف.
فاتن شنان