ثقافةصحيفة البعث

“على سطح دمشق”.. صورة الـ “سيلفي” وحدها الباقية

 

“إلى أبطال الجيش العربي السوري، إلى أرواح شهدائنا، إلى كل من بقي في بلدنا وعمل على إعادة بنائها” هذا الإهداء وجهه المخرج المهند كلثوم من مسرح الأوبرا خلال عرض فيلمه “على سطح دمشق” –إنتاج المؤسسة العامة للسينما- بمشاركة كورال أبناء وبنات الشهداء بقيادة عماد طرقجي، ليتقاطع الإهداء مع الجملة التي اختارها كاتب السيناريو سامر محمد إسماعيل لتكتب على الشاشة”إلى كل من ظل حياً بالمصادفة” في بداية الفيلم ونهايته، الجملة التي لامست أعماق المشاهدين وعبّرت عن وجعهم، واختزلت كل الفجائع التي عاشتها سورية في مواجهتها الحرب الإرهابية.
في اللحظات الأولى بدت الجملة غريبة وهي تتوسط دوران الكاميرا على جدران الغرفة المظلمة المكتظة بالصور، مع نغمات الموسيقا الساحرة للمبدع سمير كويفاتي لتتسرب من بين العلاقة الدافئة للنغمات وقع التوقفات الحادة لإرسال الرسائل القصيرة على الفيس بوك بين معاذ النائم في الدكان الصغير في تلك الغرفة المظلمة، وليليت الشابة الجميلة المفعمة بالحياة والحبّ والأمل بمشهدية ترمز إلى أحلام الشباب في سورية مدينة الحبّ والجمال والتآخي قبل الحرب.

التوليب بين الحب والموت
على سطح دمشق يثير في ذات المتلقي ملامح الحرب وتبعاتها من قتل وخيانة ودمار وموت عشوائي وصولاً إلى موت كل الجماليات التي يعيشها الإنسان بلحظات خاطفة، وإلى موت حتى أوراق ورد التوليب الموحية بالرومانسية والتي كانت جزءاً من الأحداث وشاهداً على الجريمة لتجمع بين الحبّ والموت.
وفي الوقت ذاته يلغي عنوان الفيلم كل توقعات المشاهد فإلامَ يرمز السطح؟ هذا المكان الذي كان المحور الأساسي للفيلم الذي أوصل إلى جريمة ثلاثية الأطراف، ومن خلالها شرّح المهند كلثوم مواقف واتجاهات المجتمع السوري بكل أطيافه، بدا هذا واضحاً أيضاً من خلال تعدد اللهجات المحكية في سورية.
يأتي الفيلم وفق نمط الديكو دراما فبني على حكاية درامية تلتقي مع أحداث الحرب من خلال مشاهد توثيقية بُثت عبْر نشرات الأخبار، ومن ثم مشاهد احتراق الجثث وتفحمها والدخان الأسود بتوظيف المخرج كلثوم المؤثرات الصوتية في خدمة الحدث الدرامي في زمن متأزم عاشته دمشق عقب تنفيذ تهديدات المجموعات الإرهابية قصف دمشق بقذائف عشوائية، ليلتقي الزمن الفعلي للفيلم لحظة الانفجار مع خلفية الأحداث المرتبطة بزمنين، زمن الانفجارات السابقة التي استشهد فيها والد ليليت وأصبحت إثرها والدتها الفنانة لينا حوارنة مقعدة، وإلى الزمن الحقيقي الذي كانت تعيشه سورية قبل الحرب.

مواقف متباينة
الانفجار وسط الشارع الذي اختبأت من دوي صوته القوي ليليت خلف الشجرة لتحتمي بها في الوقت الذي كانت فيه تنتظر حبيبها معاذ الذي ستلتقي به لأول مرة بعد مراسلاتهما، في اللحظة ذاتها نجا معاذ بأعجوبة بمشهد مخيف أوحى فيه المخرج بقتله، والمفاجأة أنه بقي ممسكاً بورود التوليب برمزية من الكاتب والمخرج إلى سورية المحبة للسلام والتي تردّ الاعتداء عليها، الانفجار جعل ليليت تصاب بحالة خيبة وانكسار وخوف حينما رأت معاذ مع ورود التوليب فتهرع إلى مدخل البناء ثم إلى الدرج، ليعرّي كلثوم المواقف المتباينة تجاه الحرب من خلال قرع أبواب لاتفتح في إشارة إلى كثيرين سافروا وهجروا منازلهم وتركوا ذكرياتهم وماضيهم، في حين كان صوت المرأة المنبعث من خلف الباب وهي توبخ ليليت إيماءة واضحة إلى الرماديين بوصفهم أنفسهم بالحياديين، وكأن الأمر لايعنيهم. ويتعمق كلثوم أكثر من خلال مشهد خاطف يظهر خلاف النجم عامر علي مع زوجته التي لم تعد تحتمل الحرب وتريد العودة إلى بيروت لاسيما أنها لبنانية، فيتمسك بالطفل الرضيع رافضاً أن تأخذه معها بقوله”أنا مابترك بيتي لو بموت فيه وابني ما بعطيك ياه” إيماءة واضحة إلى شرائح من مختلف الانتماءات رفضت مغادرة سورية وتمسكت بجذورها، لتصل الكاميرا إلى سطح البناء الذي يطل على دمشق وجبل قاسيون رمز شموخ سورية، لتعود تقنية كاميرا كلثوم الدورانية إلى كل أرجاء دمشق، ليتحدث معاذ عن أهله الذين ابتلعهم البحر، ولتقع الجريمة التي يرمز من خلالها كلثوم إلى ماحدث على أرض الواقع، حينما يعتدي الصديقان اللذان يشغلان أحد منازل البناء على معاذ بالضرب المبرح، ومن ثم بخنقه بخزان المياه بمشهد عنيف تصاعدت فيه المؤثرات الصوتية والموسيقية، لتصغر الدائرة بين الصديقين، لتصل أبعاد الجريمة إلى الخيط الأخير الفوز بليليت برمزية إلى كل الإغراءات التي باعوا من أجلها وطنهم سورية.
يموت الثلاثة لتهرب ليليت وتعود إلى حضن أمها بعد فقد الحلم والأمل، لتبقى صورة السيلفي بينها وبين معاذ على سطح البناء على شاشة الجوال وفي الذاكرة، ليوصل كلثوم وإسماعيل رسالتهما السينمائية إلى كل العالم بأن سورية التي قدمت الحضارة للإنسانية لن تموت ولن تهزم، وتتضح رسالة الفيلم السينمائية بمباشرة من خلال صوت المذيعة وهي تقرأ نشرة الأخبار، وتعلن تصميم الشعب السوري على مواجهة الحرب وممارسة حياته اليومية.
وسبق عرض الفيلم مشاركة كورال أبناء وبنات الشهداء بأغنيات وطنية منها “النشيد العربي السوري، وسورية يا سيف الأناشيد، وخضرة يابلادي خضرة”، ومجموعة من الأغنيات الهادفة تناوب فيها أعضاء الكورال على مقاطع الغناء الإفرادي والجماعي.

ملده شويكاني