دراساتصحيفة البعث

آفاق السياسة الخارجية للسعودية

ترجمة وإعداد: سمر سامي السمارة

انصب مؤخراً، تركيز وسائل الإعلام العالمية على مملكة آل سعود عقب زيارتين يبدو أنهما حدّدتا بدقة توجه وآفاق سياستها الخارجية.

وللمرة الأولى استضاف الملك السعودي علناً في الرابع والعشرين من شهر شباط الماضي، الحاخام الصهيوني “ديفيد روزين” في قصره الملكي، وقد عُقد الاجتماع خلال حفل استقبال نظّمه مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات “كايسيد”.  وقد ذكرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” نقلاً عن الحاخام، أن الاجتماع “كان في الواقع أول مجموعة مشتركة في الحوار بين الأديان يستضيفها الملك سلمان بن عبد العزيز”. إضافة إلى ذلك، حضر الاجتماع مع الملك سلمان المدير الدولي لشؤون الأديان في اللجنة اليهودية الأمريكية “ديفيد رويزن” وهو أحد الأعضاء التسعة في مجلس إدارة “كايسيد”، والوحيد الذي يمثل اليهودية.

“في البداية، استضاف ملك السعودية بترحيب كبير، الحاخام الصهيوني في القصر الملكي”، وفق ما أوردت وسائل إعلام الكيان الإسرائيلي، ما يشير إلى أن المملكة ستقيم “علاقات آخذة في الانفتاح مع الكيان الصهيوني” بعد هذه المبادرة.

ومن اللافت للنظر أن وكالة أنباء آل سعود قامت بتغطية الحدث، إلا أنها لم تذكر أسماء المشاركين في الاجتماع ولم تنشر سوى صور الاستقبال.

وبدورها تناولت صحيفة “إسرائيل بالعربية” التابعة لوزارة خارجية الكيان الإسرائيلي على موقع تويتر هذه الخطوة، مؤكدة أنها اتُخذت في ضوء الجهود الإيجابية التي تُبذل لبناء جسور “التسامح بين الأديان المختلفة”. وأفادت الأنباء أن وزير داخلية الكيان الإسرائيلي “أريه ديري” أصدر بياناً الشهر الماضي يقول فيه إنه  سيسمح للإسرائيليين بالسفر إلى السعودية لأسباب تجارية ودينية، ما أعطى الضوء الأخضر بشكل أساسي للإسرائيليين، أولاً وقبل كل شيء موظفو الموساد ووكالات الاستخبارات الأخرى، للسفر إلى السعودية علناً لأول مرة منذ قيام ما يُسمّى “دولة الكيان الإسرائيلي”.

وبالتالي، أصبحت الشائعات التي كانت متداولة في وقت سابق بأن الرياض سوف تتخلّص من سياساتها الصارمة تجاه الكيان الإسرائيلي مؤكدة. إذن، كل هذه اللقاءات السرية بين مختلف ممثلي البلدين على مدار سنوات عدة (والتي عُقدت أيضاً في سلطنة عمان) لم تذهب سدىً. وتتفق وسائل الإعلام العربية على حقيقة أن الزيارة والمحادثات المذكورة أعلاه لعبت دوراً مهماً في تقريب آل سعود والكيان الإسرائيلي من بعضهما البعض، وأن الرياض غيّرت الآن سياستها الخارجية بالكامل، واختارت إيران عدوة رئيسية لها.

الحدث الثاني كان زيارة الصقر الموالي لدونالد ترامب، وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، إلى المملكة ومحادثاته مع الملك سلمان  ووزير خارجية المملكة الأمير فيصل بن فرحان آل سعود حول عدد من القضايا المهمّة التي تهمّ كلا البلدين. أكد الجانبان من جديد التزامهما بضمان العلاقات الودية بين البلدين وأعربا عن استعدادهما لمواصلة تعاونهما في مكافحة الإرهاب والتطرف وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط. بعد ذلك، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بياناً أشارت فيه إلى “الشراكة القوية والدائمة المستمرة منذ 75 عاماً بين مملكة آل سعود والولايات المتحدة”.

رغم أنه لم يرد ذكر لإيران في أي التقارير الرسمية حول الزيارة –إلا أنه بحسب تسريبات من القصر الملكي- أمضى الجانبان قدراً كبيراً من الوقت في الاتفاق على موقف المواجهة المشترك تجاه “إيران”. من ناحية، يحاول دونالد ترامب بعد أن انسحب مما يُسمّى بالصفقة النووية خنق الشعب الإيراني بعقوباته اللا إنسانية التي فُرضت ليس على إيران فحسب، بل وأيضاً على البلدان والشركات التي استمرت في التعامل مع طهران. وعلى الجانب الآخر، تعتبر الرياض الآن إيران عدوتها الرئيسية لأنها تتحدى آل سعود في سورية ولبنان والعراق واليمن ومنطقة الخليج بحسب زعمها.

وهنا لابد من الإشارة إلى الخلاف الذي يبدو جلياً بين الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد في الآونة الأخيرة، إذ بات على الرغم من عمره ومرضه، يشارك بشكل متزايد في شؤون الدولة مرة أخرى ويختار اتخاذ قرارات صعبة بنفسه. وهذه المرة، كان الملك هو الذي أجرى مفاوضات رئيسية مع مايك بومبيو الذي أكد على التوجّه الرئيسي للسياسة الخارجية لمملكة الرمال. ومع ذلك، لم تظهر إلا الصور الفوتوغرافية لوزير الخارجية الأمريكية وولي العهد في الصحف السعودية ولم يرد ذكر لأي مفاوضات.

لم يحرز ولي العهد الكثير من النجاحات، لكنه فشل إلى حدّ بعيد من خلال الاستمرار في اتباع السياسة السعودية لمحاولة عزل سورية ، إذ أنفق محمد بن سلمان مبلغاً يتراوح بين 3 إلى 5 مليارات دولار لدعم الإرهابيين واللصوص الذين يتمركزون حالياً حول إدلب. هذا وقد بدأ ولي العهد بمبادرة شخصية حرباً شعواء وطائشة ضد اليمن المجاورة متسبّباً بالأسى والدمار لشعب لا حول ولا قوة له هناك، حتى الإمارات المتحدة سحبت قواتها من الأراضي اليمنية. وفي الوقت الحالي يحقّق اليمنيون نجاحاً عسكرياً من خلال شنّ ضربات صاروخية مدمّرة بشكل متزايد ضد السعوديين. وبناءً على طلب ولي العهد، قام أصدقاؤه العرب بقطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة قطر الصغيرة وفرضوا عليها عقوبات. ومع ذلك، فإن هذه الإجراءات لم تجلب له أي مجد أيضاً. وفي الوقت الحاضر، تتبع الدوحة مساراً مستقلاً للسياسة الداخلية والخارجية حيث أقامت علاقات جيدة مع تركيا وإيران. كما أن السياسات الاقتصادية لمحمد بن سلمان لم تكن ناجحة، فقد تمّ بيع جزء من أسهم أرامكو ولكن ليس بالطريقة التي توقعها ولي العهد. إضافة إلى ذلك، فإن أسعار النفط المنخفضة، في الوقت الحالي تنطوي على آثار سلبية على ميزانية المملكة نفسها وتجبر الدولة على إنفاق احتياطياتها بسرعة كبيرة، وعلى الرغم من ذلك لا يزال السكان السعوديون يعيشون بأسلوب حياة كما لو أن سعر النفط الخام للبرميل لا يزال 90 دولاراً. إن قرار بيع حصة من أرامكو السعودية في طرح عام أولي دولي ناشئ عن الصعوبات المالية التي تواجه المملكة. في نهاية المطاف، اضطر الملك سلمان إلى إصدار أمر للمملكة بزيادة تخفيض إنتاجها للنفط من 167000 برميل (إضافة إلى التخفيضات المتفق عليها مع أوبك) إلى 10.144 مليون برميل في اليوم. لكن مثل هذه المراسيم لها تأثير ضئيل للغاية على مستويات إنتاج النفط الفعلية في البلاد، لأن السعوديين غالباً ما يتجاوزون الإنتاج اليومي المخطط له. من وجهة نظر العديد من أعضاء أوبك، كان هذا قراراً معقولاً، بعد كل ما مرّ، تعتمد ميزانيات الدولة في هذه البلدان بشدة على عائدات بيع النفط الخام. ولتحقيق التوازن في ميزانيتها تحتاج السعودية لسد تكاليف النفط بزيت الخام، وأن تُبقي سعر البرميل 90 دولاراً ، وأي انخفاض في هذا السعر يتسبّب بأضرار أكبر بكثير لاقتصادها مما يتسبّب به انخفاض طفيف نسبياً في صادراتها. ورداً على كل هذه التطورات، كتبت صحيفة الأهرام المصرية أن من مصلحة السعوديين عدم السماح لولي العهد سيئ الحظ بالعودة إلى السلطة.