خرق الأنظمة والقوانين ما بين عرف سائد وثغرات جاهزة
تتأرجح جدلية عدم جدوى وفعالية القوانين والأنظمة بين توجيه المسؤولية على المجتمع والأفراد من جهة، وارتباطهم بموروثات سابقة، واتهام موجّه نحو ثغرات وعيوب ضمن تلك القوانين، ففي مقارنة مع الدول المتقدمة والمتطورة نجد أن الأفراد في المجتمع هم من يدافعون عن تطبيق الأنظمة، وتحدي من يخالفها، على عكس مجتمعاتنا التي يمارس فيها الفرد جميع الاختراقات والمخالفات في عملية الالتزام بها، حيث لدينا لكل قانون خلل يمكننا عبره التلاعب واللف والدوران عليه لتحقيق أهداف شخصية قد لا تتناسب مع المجتمع، فالالتزام بالقوانين بالنسبة لشخص يعيش في دول متقدمة هو حماية له أولاً، بينما يرى الأشخاص في مجتمعاتنا أن تنفيذها يتعارض مع مصالحهم الخاصة، وبالتالي يتم اختراقها، وأحياناً إهمالها، وهذه المفارقة مازالت تثير التساؤل حول ماهية المشكلة لدينا، فهل هي ناتجة عن ضعف أنظمتنا، أم رفض الأفراد لتطبيقها على مبدأ تفضيل المصلحة الشخصية على المصلحة العامة.
تعلّم بصري
بالنظر إلى القوانين العامة المتعلقة بحياتنا اليومية كأنظمة المرور، والسير، والمعاملات، والإجراءات الروتينية، يتجلى لنا عدم الرغبة لدى الكثيرين بالانضباط والالتزام، وهنا تشير أستاذة علم الاجتماع سميرة الأسعد إلى تأثر الفرد بالطريقة السائدة لعملية الانضباط، حيث تنعكس على مفاهيم الأفراد في المجتمع، أي أن أية مخالفة أو عملية تجاوز للقانون من فرد أو مجموعة تؤدي إلى انتشار هذه الظاهرة في المجتمع، وتتحول إلى عرف اجتماعي، وتضيف الأسعد بأن عملية الانضباط ترتبط بالتعلّم البصري، أي أن ما نشاهده أمامنا يشكّل مفهوماً محدداً لأفعالنا، لذلك نسمع بالعديد من المغتربين الذين يحترمون ويتقيدون بالأنظمة خلال سفرهم إلى أي بلد عبر مراقبة سلوك الأفراد في تلك المجتمعات، ولكن عند تواجدهم هنا يتصرفون بطريقة مختلفة تماماً حسب المفهوم السائد، لذلك يجب أن ننتبه إلى دور التعلّم البصري في الالتزام والانضباط الاجتماعي العام.
عقوبات
وجود القوانين وحدها لا يكفي، فالقانون يحمل جانباً تشريعياً، وجانباً تنفيذياً يتعلق بعملية تطبيق القانون، والعقوبات لعدم الالتزام به، فمن وجهة نظر حقوقية يوضح المحامي عبد الغني مصطفى: لا يمكن أن يأخذ القانون دوره الحقيقي ما لم يتم التحذير من العقوبات كرادع مهم للأفراد يمنعهم من مخالفته، ويحقق الالتزام بنسبة عالية من قبل الأفراد، أما في حال عدم تنفيذ العقوبة فيعتبر هذا مشجعاً هاماً على تجاهل القوانين والأنظمة، وفي هذا السياق لابد أن نؤكد على فعالية العقوبات المادية الفورية للمخالفات، أي في لحظة وقوع الخطأ، لأنه يحقق مصداقية، وجدية في تنفيذ القانون أمام الناس، أما في حال الاستهتار بالمحاسبة وعدم تنفيذ العقوبات فإن هذا يفتح أبواباً لانتشار الفوضى، وعدم احترام المجتمع بشكل عام، وهنا نتحدث عن المخالفات البسيطة، والارتكابات الصغيرة، أما في حال كانت المخالفات كبيرة فيجب أن تكون العقوبات أقصى مادياً ومعنوياً كالسجن، أو الحجز، أو ما شابه ذلك.
ثغرات قانونية
يرى البعض أن مشكلة عدم الالتزام بالقوانين العامة تعود إلى عدم القدرة على تلبية احتياجات المجتمع أو تنظيمه بسبب إغفال جوانب هامة قد يكون لها الأثر الأكبر في عدم الجدوى، وقد تتخلل القانون بالأصل بعض الثغرات التي تسمح بالخلل وارتكاب التجاوزات، ولدينا العديد من النماذج لهذا النوع من القوانين، وهنا يؤكد المحامي غزوان السيد بأننا نعتمد في حياتنا اليومية على أنظمة وقوانين جاهزة، فهي على الأغلب قديمة جداً، ولم يتم تعديلها، ومنها ما هو مأخوذ من تجارب دول أخرى، أو قد تكون أنظمة مرتبطة بفكر نظري لا يعتمد على الواقع، ودراسة متطلبات المجتمع، ومراعاة خصوصيته، وبالتالي فإن تنفيذه من قبل أفراد المجتمع يصبح عبئاً عليهم، ما يدفعهم للبحث عن طرق وأساليب لاختراق هذا القانون حتى يتماشى مع الواقع المعيشي والخدمي للمجتمع في تأمين متطلبات الحياة، ويضيف غزوان: لدينا بعض القوانين تعود لفترة الفرنسيين في سورية، وإلى الآن نعمل بها ولم يتم تغييرها رغم أنها لا تتناسب مع مجتمعنا، ومراحل التطور والتقدم التي مر بها، وللأسف فإن هذه الأنظمة موجودة في أهم الوزارات والمؤسسات لدينا، الاجتماعية والاقتصادية منها، ولابد لنا من دراسة واقعنا بشكل دقيق، وتفصيل جميع الأنظمة والقوانين بما يتناسب مع مجتمعنا الحالي.
أتمتة
التقدم التكنولوجي سمح بالتخفيف من تفاقم عمليات تجاوز القوانين، فأتمتة معظم الخدمات العامة، وقلة التعامل مع العنصر البشري لتلبية هذه الخدمات، أوقفتا الكثير من المعاملات التي كان يلجأ لها البعض للحصول على معاملاتهم في مرافق الدولة، وبالتالي التخفيف من تذمر الكثيرين من تعامل موظفي الدوائر الحكومية، إذ يبيّن أستاذ المعلوماتية عمران محسن بأن الأتمتة تلعب دوراً جوهرياً بالانضباط، وعدم تجاوز القوانين، حيث لا يمكن التلاعب بالمعلومات التي تدخل على أنظمة الكمبيوتر، وبالتالي لا يلجأ المواطن لخرق الأنظمة، أو لعمليات التزوير، وكلما سعت الحكومة في تطبيق نظام الأتمتة ساهمت في التخفيف من عمليات الرشوة، وابتزاز بعض الموظفين لإنهاء معاملات المواطنين في وقت وجهد أقل.
ميادة حسن