اقتصادصحيفة البعث

تنميــــة الثــــروة الحيوانيــــة مســــؤولية الجهــــات الرســــمية المعنيــــة

الثروة الحيوانية مصدر عيش رئيسي لمعظم سكان الريف، والرديف الأساس للعمل الزراعي، ولبعض الأعمال الوظيفية والمهنية في الريف الذي كانت جميع أسره تربي الثروة الحيوانية، ونسبة كبيرة من غذاء هذه الحيوانات كانت تؤمن- خلال أغلب أشهر العام– اعتماداً على الرعي في الحقول الزراعية والأراضي المتروكة للراحة والأراضي البائرة والحراجية، وكانت منتجات العمل الزراعي تؤمن ادخار الغذاء المطلوب لبقية أشهر العام، بعيداً عن معاناة توفر العلف المشكو منها في هذه الأيام، وقد ترافق ذلك بتنامي قطعان الماشية الرعوية، من الغنم والماعز والجمال في البادية، إلى جانب ظهور نشاط القطاع الخاص في تربية العديد من أنواع الماشية ضمن الحظائر الصغيرة والكبيرة.

ورغم الوجود الكبير للقطاع الأسري والخاص الذي كان يشكل النسبة الأكبر من العمل الزراعي والتربية الحيوانية، فقد كان للدولة حضورها البارز، إذ قامت بإحداث بعض المزارع الحقلية والشجرية ومنشآت التربية الحيوانية العائدة لها، وقد حققت هذه المنشآت الكثير من النجاحات في السنين الأولى من إحداثها.

إلا أن حلول استخدام الجرارات في فلاحة الأرض بدلاً من المحراث الذي كانت تجره الأبقار، أضعف من اقتناء الأبقار البلدية المعمرة والمقاومة للأمراض، والمعتادة على التلقيح الطبيعي، والميل باتجاه الأبقار المستوردة الأقل مقاومة للأمراض والمعتادة على التلقيح الصناعي، إلى جانب تنامي العمل الوظيفي والمهني والتجاري الأكثر دخلاً والأقل عناء، على حساب العزوف عن العمل الزراعي والتربية الحيوانية، كما أن ظهور القيود البيئية والصحية على التربية المنزلية للمواشي، أدى إلى  ظهور تراجع كبير في الثروة الحيوانية خلال العقود الأخيرة، وأيضاً قطعان البادية ضعفت كثيراً بسبب الجفاف الذي تكرر أكثر من عام، وبسبب ضعف الأمان الذي تعرض له الكثير من المربين، كما برز الفساد الهدام في معظم منشآت التربية الحيوانية الحكومية.

والملفت للانتباه أن تدارك عودة الكثيرين من أبناء الريف باتجاه التربية الحيوانية أصبح في غاية الصعوبة، نظراً لأن جميع الجيل الناشئ على مقاعد الدرس لم يعد عوناً لأسرته كما كان سابقاً، وجميع الخريجين يعلقون الأنظار باتجاه العمل الوظيفي، وأغلب من لم يفلحوا بذلك يتجهون للعمل المهني والتجاري والخدمي والهجرة، والقلة الذين يرغبون في التربية الحيوانية يجدون صعوبات كبرى تعترضهم، نظراً للكلفة المادية الكبيرة التي تتطلبها أكان ذلك بخصوص كلفة البناء اللازم، والثمن الباهظ للبقرة، حيث إن متطلبات تربية بقرة واحدة تقارب المليوني ليرة سورية، هذا المبلغ الذي يفتقده معظم الجيل الناشئ، ومن يملكه يستثمره في مجال آخر، عدا عن انتشار ظاهرة العلف الصناعي الغالي الثمن، وانتشار ظاهرة لزوم الطبابة البيطرية واللقاح الاصطناعي، ولقد تجلى ضعف الاتجاه الأسري إلى التربية الحيوانية مجدداً، إثر تدني إقبال المواطنين على شراء الأبقار المستوردة رغم تشجيع الدولة بتخفيض نسبة من سعرها، ما دفعها لأن تستحوذ قسماً منها في بعض منشآتها، التي تشكو من خسائر وحالات فساد، ولا تزال الأعداد الكبيرة التي نفقت في مزرعة جب رملة وخسائر مبقرة زاهد، مثار العديد من التساؤلات والتحقيقات.

إن تنمية الثروة الحيوانية حاجة وطنية ماسة جداً، وللقطاع الأهلي معاناته في ذلك، وللقطاع الخاص المحلي والقادم ميوله باتجاه استثمارات أخرى، ما يوجب على الجهات الرسمية المعنية /وزارة الزراعة– الاتحاد العام للفلاحين– غرفة الزراعة السورية/ أن تكون صاحبة الدور الأساس في ذلك، من خلال المزارع الكبيرة التي على كل من الجهات الثلاثة إقامة العديد منها في كل محافظة، بحيث تكرس استثماراتها المتوجبة في هذا المجال، وأن تكون منشآتها هذه نموذجاً يحتذى في أخفض كلفة وأفضل إنتاج- كمية ونوعية– والعمل على أن تصبح مواليد هذه المنشآت مصدر إمداد لمنشآت جديدة، وللقطاع الأهلي بدلاً من الاستيراد من الخارج، وعلى وزارة الإدارة المحلية توجيه الوحدات الإدارية لتخصيص مناطق لمزارع التربية الحيوانية ضمن قطاع كل بلدية، وتنظيمها مقاسم كبيرة وصغيرة على غرار تخصيصها للمناطق الصناعية، وضرورة توجيه القطاع الخاص الاستثماري والقطاع الأسري باتجاه بناء هذه المقاسم واستثمارها، وفق إغراءات كبيرة، وبتسهيلات متميزة جداً، على حساب الحد من الإغراءات والتسهيلات الممنوحة للمستثمرين في قطاع السياحة والقطاعات الأخرى، وعلى أن تقوم كل بلدية بإنشاء واستثمار منشأة تربية حيوانية خاصة بها لتشكل تمويلاً أساسياً لنفقاتها، التزاماً بتحقيق التمويل الذاتي المتوجب عليها وفق قانون الإدارة المحلية، إلى جانب قيام العديد من الجهات الرسمية بإحداث منشآت تسويقية تؤمن وصول مستلزمات وتسويق المنتجات عن باب المنشأة، بأقل كلفة وأفضل نوعية، إلى جانب إحداث منشآت تصنيع لبعض المستلزمات وتصنيع لبعض المنتجات، فالنهوض في تنمية الثروة الحيوانية، يتطلب حضور ميداني فاعل للجهات الرسمية المعنية، لا أن تحمل جهات أخرى بذلك.

عبد اللطيف عباس شعبان

عضو جمعية العلوم الاقتصادية السوري