ثقافةصحيفة البعث

“مدينة الوقت” لملكة الفانتازيا

 

تعتبر قصص الأطفال عالماً أدبياً مستقلاً بحدّ ذاته لا يبحر فيه إلّا من اعتنق الخيال مذهباً يسبر فيه عوالم الطفولة، وهذا بالضبط ما فعلته الكاتبة البريطانية المحببة، ديانا وين جونز في روايتها “قصّة مدينة الوقت” ولأن الأعمال المميزة لا تموت، أعيد طباعة الرواية التي نشرت لأول مرة عام 1987، تحكي بطولة فتاة (فيفيان سميث) التي اختطفت أثناء إجلائها من لندن خلال الحرب العالمية الثانية وتحارب من أجل الحفاظ على التاريخ. وتشرح جونز في روايتها هذه مفهوم السفر عبر الزمن، مستعينة بإدراكنا الحالي للعلوم أكثر مما فعلت في باقي أعمالها.
“مدينة الوقت” هي مدينة خارج التاريخ مبنية على رقعة من الزمان والمكان ولجميع المقاصد والأغراض. سكانها هم الأوصياء والمراقبون الذين أدركوا مؤخراً أن أحوال المدينة تتدهور بسرعة متزايدة. لا أحد يعرف ما الذي سيحدث للتاريخ إذا ما انهارت المدينة ولا يمكن لأحد أن ينقذها إلّا فابر فيفيان وسيدة الوقت وهما بُنَاتُها الأسطوريّون.
يتنصت الصبيان، جوناثان وسام، على أحاديث واجتماعات عائلتيهما ويعلمان أن سيدة الوقت تحولت بالفعل إلى مارقة وقد تكون سبب كلّ المشاكل الحالية لمدينة الوقت. يسافران سرّاً في الزمن لإيقافها. وينتهي بهما الأمر باختطاف الشابة فيفيان سميث في أيلول من عام 1939 أثناء هربها من لندن من ويلات الحرب العالمية الثانية لتلاقي قريب والدتها مارتي في سكة القطار. وبسبب اسمها، فيفيان سميث، يعتقدون أنها فابر فيفيان، أحد مؤسسي المدينة. وفي الواقع، أحد الأشخاص الذين يعتقدون أنهم يدمرون مدينتهم ببطء! يدرك الفتيان، جوناثان وسام، خطأهما، لأن فيفيان من عصر غير مستقر، ولا يسمح لأحد بالخروج من عصر غير مستقر، خشية أن يتم تغيير التاريخ البشري بأكمله. ولا ترغب فيفيان في العودة إلى زمانها بعد أن التقت بطيفها الزمني في مدينة الوقت وتكتشف أن لديها دوراً محورياً يجب عليها أن تؤديه، وفي هذه الأثناء، يبدأ التاريخ بالانحراف، لتبدأ الحرب العالمية الثانية عام 1938 ويلزم جوناثان وسام فيفيان بالعودة عبر الزمن لوقف العبث بالتاريخ.
إذاً هي مغامرة مليئة بالمرح والمتعة. كل شيء متناسب ومتناسق وتتكشف الأحداث بأناقة مع التقلبات التي تصاحب هذا النوع من الروايات، ويظهر بوضوح أسلوب ديانا في البناء والتفكيك والثقة بالنفس.
وكما هو معتاد في رواياتها، في خضم لعبة الشطرنج ومشاحنات الأطفال هناك أفكار تثير الاستفزاز دائماً في القصة. على سبيل المثال، العلاقة الصعبة بين الأطفال والآباء والأمهات وكذلك تنمية الصداقة بين جوناثان وسام وبين سام وفيفيان. الأطفال الثلاثة رائعون وخصوصاً فيفيان، التي تعرض القصة -على اعتبارها غريبة عن المدينة- بعين الناقد، من خلال رؤيتها تصبح أفعال سكان المدينة موضع تساؤل، ونرى كيف يتعاملون مع التاريخ بسلطة علمية تثير الرعب وغير مريحة، وفي أكثر الأحيان يرون الماضي كشيء غير حقيقي مع إدراك متأخر يجعل من السهل فصلهم تماماً عنه. وهناك المشهد عندما تمسك فيفيان قناع الغاز الذي كان يضعه جميع الأشخاص الذين يحاولون الهروب، ويقول أحدهم كم يبدو “واقعياً” وكأنه يستجيب لردود فيفيان “إنه غير واقعي، إنه حقيقي”.
هذه العلاقة الشيقة مع التاريخ وكيف يحولها البعد إلى شيء يمكن أن يُعرّفه البعض على أنه أقل من الحقيقة، يتم استكشافه بشكل جيد.
شيء آخر محبب حول القصة، كيفية دمج أسئلة “الأسماء” و”الهوية” في القصة. في بداية الكتاب، تقف فيفيان في ذلك القطار الذي يتم إجلاؤه من لندن، مبتعدة عن عائلتها وكل ما تعرفه، والفكرة الوحيدة التي تدور في ذهنها أنها تحتاج إلى الحفاظ على بطاقة هويتها آمنة لأنه “عندما يكون اسمك سميث، فأنت بحاجة إلى التأكد من أن الجميع يعرف أيَّ سميث أنت”.
فيما بعد، هناك اختبار حول أصول اسم سميث والفرق بين “شائع” و”فريد”. ناهيك عن الإدراك الكبير بأنه لا يمكن بناء أي شيء خارج التاريخ ولا حتى مدينة الوقت. إنه عمل ذكي جداً وكما هو متوقع من مؤلف كديانا.
هو عمل من الأعمال المفضلة لأدب الطفولة ويوصى به بشدة، وعلى الرغم من أن الكتاب مربك قليلاً في البداية، لكن مع تصفح صفحاته نجد أن جونز كتبت قصّة قويّة حول أطفال يتسابقون حرفياً عبر الزمن وضدّه لإنقاذ عالمهم.
سامر الخيّر