صقـــر دون أوهـــام
ترجمة: عناية ناصر
عن كومنتري ماغازين 23/3/2018
اختار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جون بولتون ليحل محل ر. ماكماستر كمستشار للأمن القومي، وأظهرت التعليقات في أمريكا غضباً جماعياً، ولعل
إجماع ردود الأفعال يجعلك تتساءل ما إذا كان هؤلاء المئات من المراسلين والمذيعين قد تلقوا نفس التوجيه الذي يأمرهم بالتنديد بـ “بولتون”بعبارات قاسية، ومع ذلك فإن الحقيقة المحبطة هي أنه لم تكن هناك حاجة لمثل هذه المذكرة. جزء كبير من المؤسسة السياسية الخارجية في واشنطن مرتبط بمجموعة من الأساطير المهذبة حول الخرافات الوطنية مثل “القوة الناعمة”، والحرب والسلام. إن أفكار بولتون غالباً ما تكون متعارضة مع هذه الأساطير بما يكفي لجعله هدفاً مشروعاً لكل هجمة ولكل هجوم هستيري. كان إيان بريمر، رئيس مجموعة يوراسيا، قد غرد على تويتر، “ربما يكون اليوم الأسوأ للمجازفة الجيوسياسية منذ أن ترأست مجموعة أوراسيا عام 1998″، على حد تعبيره.
وبعبارة أخرى، فإن تعيين بولتون هو أكثر زعزعة للاستقرار من تجارب كوريا الديمقراطية النووية، ومن تفشي فيروس ايبولا وسارس، والربيع العربي وما بعده، من أزمة المهاجرين لعام 2015، وصعود “داعش”، من بين الكوارث الأخرى في العقدين الماضيين. هذا الدبلوماسي السابق ، وحتى مقارنة بالرئيس الأمريكي الحادي والأربعين “بوش الأب”، هو أكثر زعزعة للاستقرار من أحداث الـ 11 من أيلول.
ويقول الكثير حول مدى موثوقية ما تم التحذير منه مسبقاً، وهي تغريدات بريمر مقارنة بما يفعله بولتون، ومع ذلك فإن جميع الأشخاص الذين يفكرون بشكل صائب قد ردوا على تغريدات بريمر، وساعدت تغريدته في تحديد نغمة ومعايير الرأي المحترم عندما يتعلق الأمر بتعيين بولتون. لقد تم إخبار الأمريكيين بأن بولتون متعصب، ومن دعاة الحرب، ومن “المحافظين الجدد”، ويشكل خطراً على السلم العالمي والتوافق الدولي.
ومن المرجح أن تطارد هذه الانتقادات الساخرة بولتون طوال فترة ولايته في إدارة ترامب في البيت الأبيض، ما يعقّد مهمته الصعبة في ظل إدارة رئيس متقلب يجد أن الفكر المفاهيمي، وتفاصيل السياسة لا يحتمل، ومع ذلك فإن بولتون لديه فلسفة أكثر جدية وأكثر تماسكاً وثباتاً من جميع منتقديه تقريباً، وهي فلسفة تقع ضمن تقاليد استراتيجية ما بعد الحرب الأمريكية، وتتوافق بشكل وثيق مع الحقائق المظلمة لوقتنا الحاضر. في الجوهر، هو صقر لديه بعض الأوهام حيال ما يلزم لضمان المصلحة الوطنية.
لمبدأ بولتون، ثلاثة أركان، ويستحق الأمر استكشاف كل منها لفهم الرجل الذي سيكون له كلمة فصل في إدارة السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الأشهر والسنوات المقبلة.
أولاً، هو هوبزي، لأن مسيرة بولتون المهنية، وكتاباته في مجلة “كومنتري” وفي افتتاحيات صحيفة “وول ستريت جورنال”، توضح أنه يرى حياة الدول بغيضة ووحشية “وأحياناً قصيرة بشكل مأساوي”، لا يشارك بولتون كانط رؤيته البديلة التي بموجبها من المفترض أن تؤدي إلى توسيع سيادة القانون، وجعل الحرب أمراً عفا عليه الزمن، كان جون كيري يصف بولتون بأنه “مفكر” من القرن التاسع عشر، لكن مستشار الأمن القومي الجديد قد يأخذ ذلك على أنه مجاملة، فبعد كل شيء تشبه الجغرافيا السياسية اليوم بطرق عديدة عصر التنافس بين القوى العظمى ومناطق النفوذ المتنافس عليها.
في مقال في مجلة “كومنتري” حول المأزق الدبلوماسي تطرق بولتون إلى “السأم من نهاية الحضارة” في أوروبا، كتب بولتون حول الأوروبيين:
يعتقد الأوروبيون أنه يمكن تحريرهم طوال الوقت من الصراع العابر للحدود، من المنظور الأوروبي، لا تأتي التهديدات الموجهة إلى التوافق الدولي من قوى معادية خارجية- بالنسبة لهم هذه القوى بالكاد موجودة- بل بالأحرى من القوى الودية ظاهرياً، إنهم يعتقدون أنهم معرّضون للخطر من قبل تلك الدول التي قررت “حتى الآن” أنهم لا يستطيعون تحمّل الوقوع فريسة للحلم الزائف المتمثّل في تخليص أنفسهم من أخطار العالم من خلال البقاء في سبات لا يصحون منه إلا في أعقاب الهجوم، “كُتب هذا المقال في عام 2009، يمكن للقراء أن يقرروا أياً من الرؤى- البولتونية /الهوبزية أو الأوروبية/ الكانطية- تم إثباتها من خلال أحداث العقد التالي”.
ثانياً، يرفض بولتون بقوة الليبرالية العابرة للحدود، ويرفض “التعددية” المصطنعة، وبولتون هو أحد أبرز منتقدي الولايات المتحدة للقومية العابرة للحدود، وهي الفكرة القائلة بأن على الدول التخلي عن نصيبها الأكبر من سيادتها إلى الهيئات والمؤسسات الدولية بذريعة أن المشاكل التي تواجه العالم اليوم يفترض أنها تتجاوز قدرة أية دولة على حلها.
من الصحيح أن إعلان الاستقلال الأمريكي يدعو إلى “احترام لائق لآراء البشرية”، فقد أصدر رئيس محكمة مارشال 1815 قراراً رأى فيه أن المحاكم الأمريكية “ملزمة بالقانون الدولي الذي هو جزء من قانون البلد”.
يعود القانون الدولي العرفي على الأقل إلى العصر الروماني، على عكس الفكر الليبرالي الذي يدعو للسخرية، لا يرفض بولتون القانون الدولي العرفي، أو المعاهدات الأجنبية المصدق عليها على النحو الملائم، غير أن العابر للحدود هو شيء آخر، إنها نظرية جديدة نسبياً، ولدت في الأكاديمية القانونية، وأروقة الاتحاد الأوروبي التي تقول إن “المعايير” الدولية التي وضعها الخبراء التقدميون يمكن أن تتجاوز العلاقات بين الدول ومواطنيها، جادل بولتون بأن هذا النموذج من الأفكار العابرة للوطنية هو إهانة للمثل الأمريكية في الحكم الوطني والمساءلة الديمقراطية.
وبالمثل، فإن بولتون يكره أن تعرقل قدرة أمريكا على الدفاع عن نفسها وعن حلفائها باسم “التعددية”، وقد قال مراراً بأنه لا ينبغي منح الصين وروسيا حق النقض “الفيتو” على امتياز أمريكا السيادي في الدفاع عن النفس.
ثالثاً، لا يملك بولتون سوى القليل من الصبر على حملات الدمقرطة، لقد كال الكثير من الثناء على الديمقراطية، ولكن تمرير الذخيرة هو الصيغة البليغة التي استخدمها بولتون في مقال في “كومنتري” حول مستقبل الحرب على الإرهاب، لا يعتقد بولتون أن توسيع الديمقراطية في بقية العالم أمر ضروري لحماية الديمقراطية في الغرب، في الواقع هو مقتنع أن المصلحة القومية الأمريكية تدعو إلى دعم الرجال المكروهين الأقوياء عندما يكون البديل هو الفوضى، هذه الرؤية البولتونية غير عاطفية، بل حتى مأساوية، ما يعني أننا نعيش في عالم مأساوي.