إطلاق مشروع فريق ناي المبني على شكل الهايكو وألوان الثقافة
الناي أقدم آلة موسيقية عزفت نغمات الوجد والشجن رافقت الإنسان وارتبطت بنفحات الصوفية، الناي الذي عزف عليه جلال الدين الرومي والفارابي ورابعة العدوية، وانتقل إلى أوروبا عن طريق الأندلس، كان محور فيلم الافتتاح لإطلاق مشروع ناي الثقافي المترافق مع توقيع كتاب”رقصة الهايغا مع الهايكو” في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة- وبهذا الملتقى تكون وزارة الثقافة سباقة برعاية الملتقيات الخاصة في منابرها الرسمية لتشكيل حالة ثقافية تكاملية.
يجمع فريق ناي بإدارة مؤسسه د.سامر زكريا فنون الثقافة وألوانها وفق التناغم بين الشعر والتشكيل والموسيقا بلوحة متكاملة، معتمداً على نمط شعر الهايكو العربي الذي يشبه ومضات واخزة تبوح بيومياتنا ولحظات نعيشها بتصريح مباشر وبتورية حيناً بعيداً عن الصور الشعرية المعقدة، وقد ترافقت قراءة النصوص للشاعر د. سامر زكريا مع نغمات عازف الغيتار طارق صالحية وعازف العود محمد السبسبي.
وعرضت الشاشة اللوحات التي رسمتها الفنانة رندة تفاحة والمستمدة من روح كل نص، بأسلوب تعبيري وألوان شفافة بإكليريك على القماش، هيمنت عليها البنفسجيات والأزرقيات في جوانب من فضاءات اللوحات، دمجت فيها بين هياكل الشخوص الجماعية حيناً، والرجل والمرأة بثنائيات تعبيرية في مواضع، بينما كانت المرأة في امتزاج مع تغييرات الطبيعة محوراً في أخرى، والأجمل كانت معالم البيت الدمشقي وخلفية المدينة، وأحاسيس يخفيها المكان برمزيته، وبالظل والإضاءة والتدرجات اللونية.
وقد تميّزت نصوص الشاعرة تفاحة بشفافيتها لتتقاطع جميعها بومضات إنسانية كما في نصّ”ضوء”
ضوء/ إلى مصيرها مطمئنة/تمضي الفراشات/وفي “أوائل الخريف”/معاً نجوب دمشق/أنا وكسّار الزبادي”
وارتأت تفاحة أن تعبّر بشكل مباشر عن هذا النصّ من خلال أنثى تعزف على الناي ومحاطة بالورود.
عام آخر/جفّ الماء/ولم يجف الضباب/على وقع هواجس الأنثى التي خطتها الفنانة.
وفي” لوحة شتائية”
الوشاح الناري/يشتعل/مع خلفية الوشاح الأحمر رمزية إلى الدفء.
لتنتهي قراءاتها بلوحة الانتصار التي تجسد أبواب دمشق.
“انتصار/المسافة صفر/بيني وبين دمشق”.
إيقاعات مختلفة
وتناوبت القراءات الشعرية مع اللوحات الموسيقية التي جمعت بين عازف الغيتار طارق صالحية وعازف العود محمد السبسبي، فطوّع صالحية نغمات الغيتار مع شرقية العود، فعزفا تانغو ولونغا وتميزت مشاركتهما بالمقطوعات التي ألّفها والد العازف محمد حسين السبسبي، وبدت روح الانسجام والتآلف واضحة بين العازفين مما أوجد تشكيلات ثنائية رائعة، الافتتاحية كانت مقطوعة تانغو –فرانشيسكو تاريغا – صول مينور، واتسمت بإيقاعها السريع والحيوي، وتألق الثنائي في مقطوعة”سلمى” من مؤلفات السبسبي تنم عن شاعرية موسيقية حالمة وفرحة، تناوب فيها اللحن الأساسي بين العود والغيتار بإيقاعات مختلفة، وكلا العازفين استخدما تقنية العزف بالأصابع في مواضع، لتعود النغمات إلى الريشة، ومضت الألحان بوتيرة واحدة في لقاء العازفين لتنتهي بقفلة هادئة بعد فواصل حادة للغيتار، لتتقابل هذه اللوحة مع مقطوعة قبلة لأوتاري من مؤلفات حسين السبسبي، والتي جاءت بنمط هادئ ممتزج بالشجن والامتدادات اللحنية، بدأت بالغيتار ثم العود بنغماته الساحرة.
وتضمنت المقطوعات لونغا نهوند-وانيس وارطانيان –المألوفة لاسيما لمن يتابع أمسيات الأوبرا، الأمر الجميل أن العازفين قدما تانغو نهوند لأمير البزق محمد عبد الكريم ولكن برؤية جديدة للسبسبي، واختتمت الفقرات الموسيقية بعزف مقتطفات من الأغنيات التراثية.
شهادات تقدير
وفي نهاية الملتقى وزعت مديرة المركز السيدة رباب الأحمد مع مؤسس الملتقى د. سامر زكريا شهادات تقدير للعازف صالحية والعازف السبسبي، وأشادت الأحمد بجمالية فقرات الأمسية وبما يتضمنه مشروع ناي من أفكار هادفة لرعاية المواهب الإبداعية معلنة أن فعالية مشروع ناي ستكون شهرية.
ثم تمّ توقيع كتاب” رقصة الهايغا مع الهايكو” الذي تضمن نصوص د.سامر زكريا ورسومات رندة تفاحة.
أول أمسية بلا قذائف
وعلى هامش الأمسية أوضحت الفنانة رندة تفاحة بأنها وظّفت رسوماتها بما يتلاءَم مع نصوص الهايكو، وحاولت أن تضيف في كل لوحة شيئاً إلى النص، مركزة على المرأة كعنصر أساسي لتصل إلى أنها عبّرت من خلال المرأة عن أية فكرة تختلج بداخلها.
وأبدى عازف الغيتار سعادته بالعزف بأول أمسية دون قذائف وبعيداً عن الإرهاب، وعن خصوصية العزف بالأصابع بيّن بأن العزف في مواضع يتطلب تقنية الأصابع كتكنيك لاسيما بالكلاسيك والفلامنكو إذ لا يمكن العزف بالريشة لعدة ضربات سريعة متتابعة مما يتطلب استخدام خمسة أصابع بدلاً من الريشة، أما عن الفواصل الصغيرة جداً فأوضح بأنه استخدم نوعاً من “الإفكيتات” أي المؤثرات الصوتية وفق ما يتطلبه النص.
وأوضح مؤسس مشروع ناي د. سامر زكريا عن هذه التجربة الجديدة التي دمجت بين الرسم وشعر الهايكو، بأنه اعتمد على سمات نص شعر الهايكو الياباني بنصوص الهايكو العربي، إذ يسرد الهايكو حكاية مشهد دون تسلسل زمني ودون تراكيب لغوية معقدة مثل الاستعارات، ويتضمن التفاعل الإنساني مع المشهد، وعن ربط النص بالصورة تابع بأن شعراء الهايكو باليابان يتبعون هذا النمط، فرسم الهايغا يعبّر عن القصيدة لكنه لاينوب عنها.
ملده شويكاني