الاستثمار في الفتوة
للدولة ومؤسساتها وقيادتها السياسية والحزبية والتنفيذية، الحق في أن تحتفي بثروتها الوطنية التي لا تنضب وموردها المتجدّد الذي يأتي بما لا يستطيعه “أسود وأصفر” ما تحت الأرض، وأخضر ويابس السطح؛ فسورية الفتيّة تعرف كيف تستثمر في طاقتها البشرية ولاسيما الشبابية منها وتبني رجاءً وأملاً لا يخيب، قوامه الرجولة المكتنزة في عقول وأدمغة أطفال وفتية يزرعون المراهقة علماً ومعرفة وإدراكاً، فتنتج رجالاً على أقدامهم يسقط المحال.
كمواطن من حاضنة البلد التي فرّخت الثروة البشرية في بيئة “الرياض والمدارس والمعاهد والجامعات” بوجود داعم منظماتي حاول الاشتغال على التحصين كثيراً، لا يمكنني التعامل مع القيمة المضافة والعليا لهذا الخير الآدمي بمعزل عن أسرة تدرك ولو كانت في أقصى قرية وريف، أنه بالمعرفة وحدها تصبح “محترماً ومنتجاً وصالحاً” على الصعيد الشخصي، و”مفيداً وبنّاءً ومنجزاً” على الصعيد الوطني، وهذا ما حفظناه عن أمهاتنا ولو كن “أميات بمعنى القراءة والكتابة فقط” عن ظهر قلب عندما كن يكرّرن خطابات لم نتقن ترجمتها في الصغر، لتأتي الأيام والخبرات والتجارب وتثبت حقيقة ما تعمل عليه أكاديميات الأمهات والجدات في الحضر والريف.
ففي ظل وسطية المعيشة العامة ومحدودية ذات اليد اقتصادياً بقي خيار السوريين الاستثمار في العلم والفهم والوعي لتأمين ناتج وطني ودخل قومي أكثر ما يتجسّد بالفكر والابتكار والإبداع العلمي والتقني والفني والمهني، لتتقدم شطارة المزارع وفهلوية الحرفي ودقة الصناعي وذكاء وحنكة التاجر وقدرات المهن العلمية بشتى قطاعاتها، لتصبح الشهادة القديمة الجديدة بأن السوريين لا يتمتعون بأي منتج إذا لم يك من صنعتهم غير مجروحة؛ لأنها تأتي باعتراف الآخرين قبل الأقربين؟!
في محراب جامعاتنا ومعاهدنا ومراكز وورش التدريب المهني كان التحدّي عنواناً لإفشال أشكال الرهان التي حاكها المتربّصون بهدف تحريض طلبة العلم والمهن وبث السموم في صفوفهم، ومع أن هذه الشريحة الكنز لم تسلم من المحاولات العدية، إلا أن الطلاب أولاً وأساتذتهم ثانياً وقياداتهم المنظماتية ثالثاً، كانوا ومازالوا خندقاً في وجه زرع التوتر والفوضى ليقدّم طالبو العلم أنموذجاً ليس غريباً عنهم، فكان الحوار والتمسك بمقاعد المدرجات قراراً عملياً أنتج نهجاً واستقراراً والتفاتاً إلى التحصيل لا التفشيل القاتل.
إن التعامل مع الطالب والشبيبة والطلائع وأبناء المهن يحتّم شكلاً منهجياً للتعاطي مع بيئة وطنية خصبة للعلم والعمل والبناء، يحمل روادها الكتاب بيد، والسلاح باليد الأخرى في مواجهة الظلام والتكفير والإرهاب، رغم أن ثمة من ترك المقاعد لينخرط في صفوف الجيش حيث يصنع الشباب والرجال أكسير الانتصار الذي يرتسم يوماً بعد يوم بوجود عوامل الإرادة وإدراك المخاطر وقطع الطريق على المنتقمين من الطلبة الذين قاوموا القتلة والضلاليين والمخرّبين والظلاميين بإبقاء المدارس والمعاهد والجامعات الحكومية والخاصة منارات علم وتربية وطنية وقومية لا انحرافاً ليس له موطن عند سلالة ثقافة الحضارة الرافضة لسلوكيات الدمار علماً وعملاً؟
علي بلال قاسم