ترامب وسرير بروكست..!
رائد خليل
قضّ الكاريكاتور مضاجع شخصيات سياسية تاريخية هامة.. اعترضت واستهجنت ونددت برسوم تناولت هذه الشخصيات على مدار وجودها.
وشخصيات أخرى كانت تشعر بالغبطة والسعادة عندما يتناولها الكاريكاتور في مسرح الحياة السياسية.
يسخر رسامو الكاريكاتير من بعض الشخصيات السياسية في العالم، ومن سلوكهم المنافي للعقلانية والمنطق، فتنعكس ردود فعل هؤلاء على المجتمع بأكمله، من خلال الحكم عليه بالصمت.. ولا ريب أنّ رسامي الكاريكاتير عندما يكشفون خفايا ما يتفوه به بعض رجال السياسة هو بعيد بعداً تاماً عن المصلحة الفردية. فواجبهم يحتم عليهم استئصال ما ينهك الناس، وهذه بالتأكيد رغبة جماهيرية. وفي هذه الأوقات القلقة التي تسودها النزاعات والاضطرابات، يتلقى الكاريكاتير الحقيقة، ويوضحها بكل تناقضاتها من خلال تجسيد المواقف وتمثيلها بصرياً.
إن القصة البطولية للكاريكاتير السياسي، تبدأ من المحاولات الرائعة التي ينتقد فيها أصحاب النفوذ بسلاحه الصغير، وكل شخص يصبح ناقداً عندما تمارس عليه الضغوط بالقوة لقبول الأحكام ، علماً أن القبول الطوعي يستلزم اقتناع الناس.
وتبقى علاقة رسام الكاريكاتير بالمعطى السياسي معقدة جداً، وقد عبّر عن كرهه الشديد لحالة الاستعباد والقمع سراً وعلانية، لأن حالته النقدية، حالة إنسانية تخلو من الشوائب والتعقيدات.. وهو القادر على أن يفهم ويمسك بالجوهر الراسخ، غير القابل للتغيير، وبالطريقة التي يراها مناسبة، وبالتالي لا يكفي أن تتوفر عناصر نجاح اللعبة، ولكن يتعين معرفة كيفية اللعب.
تبدأ مهمة رسام الكاريكاتور الحقيقية في التصوير والعرض والقتال من أجل التغيير نحو الأفضل. ولفت نظر المنهمكين في الشكليات إلى رؤية واقعية صحيحة والابتعاد عن الحالات المفتقرة إلى المعنى، عارضاً بعض الجوانب، وفاتحاً باب الأسئلة، ومحرضاً العقول، وراسماً الابتسامة، دون أن تكون الغاية منها الإضحاك، بقدر ما هي الرسالة المراد إيصالها إلى الناس وتوصيفاً للواقع المعيش بكل حذافيره، والكشف عن أغلب الجوانب الإنسانية والعلاقات البشرية المشوهة أحياناً.
وبذلك يصير نجاح الكاريكاتور رهناً بوصول الفكرة إلى المتلقي على اختلاف طرق التعبير وأدوات الفنان الخاصة.
إذن، يمتلك فن الكاريكاتور القدرة على معاصرة المجتمعات ومواكبة تطوراتها و تفاصيل يومياتها، وهو أمر نستطيع أن نتلمّسه بمتابعة ما يصدر في العالم من صحف ومجلات، حيث نجد أنّ الكاريكاتور يشكّل عنصراً ثابتاً في بناء الصحيفة أو المجلة.
و تختلف الآراء حول أهمية الكاريكاتور وتأثيره على الناس بمستوياتهم الفكرية كافة. وهذا الكلام يتطابق مع قول أحد الفلاسفة من زعماء المذهب الحواسي: (هناك فرق بين الرؤية والنظر). فالأعمى ينظر ولكنه لا يرى، والناس يرون الأشياء بعيون مختلفة ومن زوايا متعددة في سياق فهم جدلية الحياة ومواقفها.
إن قارئ الكاريكاتور يتعلم الحقيقة عن طريق مشاركته في القراءة الصحيحة لهذا الفن، ومحاولة تسليط الضوء على الظلام الذي يحكمه بالصمت، وعلى بعض المؤثر عليهم، وعلى التابعين، وتبقى السياسة من المهن النادرة، ويبقى الفن عملية ثورية على حدّ تعبير جان بول سارتر”الثقافة الحقة هي الثورة”، وتبقى الوظيفة الأساسية للكاريكاتور، فتح الأبواب المغلقة.
سياسياً، وفي أمريكا تحديداً، لعب الكاريكاتور دوراً هاماً في أثناء كفاح المستعمرات، فرسم (بنجامين فرانكلين) في عام 1754 رسماً يمثل ثعباناً مقطعاً إلى أجزاء يرمز إلى المستعمرات الأمريكية وكتب تحتها(الاتحاد أو الموت) وكان الغرض منها هو الحث على الاتحاد وقد ساعد الرسم فعلاً في تعبئة الشعور القومي وقتئذ.
وفي أثناء الحرب العالمية، وُضع رسام الكاريكاتور البريطاني (دافيد لو) على لائحة أعداء النازية، لأن رسومه كانت تغيظ هتلر.. وعلى سبيل المثال قام نابليون بإرسال بعض الملاحظات إلى الحكومة البريطانية مطالباً تهدئة الرسامين الإنكليز الذين انتقدوه، والحالات العدائية كثيرة بين الطغاة والرسامين.
وفي وقتنا الحاضر الأمثلة كثيرة جداً، وكما يقال الحبل على الجرار.
أما ترامب، فلوجهه ألف حكاية.. تبدأ من تحطيم النسب لاستنباط دواخل الشخصية ، إلى توصيفات سيكولوجية، تشي بملامح التعسف والبلاهة معاً..!
وفي المكنونات، يقول لسان الحال: سأحشرك هناك في أقصى زاوية، وألقي عليك أصابع الاتهام.. انظر جيداً إليّ..”إنْ لم تكنْ مثلي” فأنت ملتوٍ وخارج نطاقي…
والسرب المدجن لن يشفع لك.. تباً لك..عُد إلى مساري.. أنا وحدي فقط.. سأجعل الشمس تشرق من الغرب ..مرة قالها الطاغية ” كاليجولا ومضى..ويقولها ترامب حالياً.
تقول الأسطورة إنّ ” بروكست” الحداد، كان يرحب بأي مسافر يصادفه في طريقه، ليستضيفه في بيته، ويدعوه إلى النوم في سرير حديدي معشق بألف استفهام…!
والمفارقة أن بروكست كان مهووساً بقضية طول الضيف.. فإن كان الضيف أطول من السرير، قام بروكست بقطع رجلي الرجل ليتناسب مع السرير.. وإذا كان أقصر من السرير، قام بمطّ جسم الرجل مطاً لا مثيل له.. دون النظر والالتفاف إلى طقطقة العظام الهشة أساساً من حظ الضحية وواقعه السيئ الذي قاده إلى هنا.. يضاف إلى ذلك عوامل أخرى هو الطريق الأوحد المرسوم للعبور.. في منطق الخط الإلزامي الإجباري.
ولكن، مهما يكن ” فرض القوالب” ساري المفعول، يبقَ اندفاع ” ثيسيوس” الأسطوري أيضاً مثالاً لردة الفعل والانتقام من سلوك ارتكبه بروكست ببرودة أعصاب.
و رداً على حماقاته وصلفه وعنجهيته وتعاليه، قام “ثيسيوس” بإلقاء القبض عليه ووضعه على سريره بالطريقة نفسها وقطع رأسه.. فمتى يظهر هذا الـ ” ثيسيوس” ؟