تحقيقاتصحيفة البعث

الزاوية القانونية التحكيم

> المحامي عمر تقي الدين

في غضون الربع الأخير من القرن العشرين اكتسب التحكيم التجاري الدولي في العالم قبولاً كوسيلة طبيعية لحل النزاعات التجارية الدولية، وقد تم تحديث القوانين الوطنية التي تُعنى بالتحكيم في جميع القارات، ووقّعت، أو أبرمت معاهدات دولية في شأن التحكيم، لاقت نجاحاً منقطع النظير، كما أدرج التحكيم ضمن المواد التي تُدرّس في عدد كبير من كليات الحقوق، ومع إلغاء الحواجز السياسية والتجارية تدريجياً، والعولمة السريعة للاقتصاد العالمي، فقد أوجدت تحديات جديدة أمام مؤسسات التحكيم، إذ عليها أن تلبي مطالب الأطراف المتزايدة بهدف توفير الأمان القانوني، وفض النزاعات وفقاً لقواعد معروفة مسبقاً، وزيادة سرعة الإجراءات ومرونتها، فضلاً عن توافر الحياد والفاعلية لدى حل النزاعات الدولية.

ولقد ازدادت تجربة التحكيم لدى غرفة التجارة الدولية نضجاً باطراد منذ إنشاء هيئة التحكيم الدولية سنة 1923، وهو ما اكتسبته من خلال الدراسة المتأنية لأكثر من اثني عشر ألف قضية، تطرح عليها كل عام بين أطراف ومحكمين ينتمون إلى جنسية أكثر من مئة بلد مع اختلافهم اختلافاً بيناً من الأوجه القانونية والاقتصادية والثقافية واللغوية.

ونظام التحكيم الحالي لدى غرفة التجارة الدولية، والذي دخل حيز التنفيذ في أول كانون الثاني سنة 1998، يعد أول تعديل مهم طرأ على النظام منذ أكثر من 20 عاماً.

وهو نتيجة لسلسلة استشارات مكثفة، أجريت على الصعيد العالمي، واستهدفت الحد من التأخير والغموض، وسد بعض الثغرات التي ظهرت خلال ممارسات التحكيم، أما المميزات الأساسية لنظام تحكيم غرفة التجارة الدولية لم تتغير من حيث عالميتها ومرونتها، فضلاً عن الدور المركزي الذي تلعبه هيئة التحكيم الدولية في تطبيق إجراءات التحكيم.

وكل تحكيم تضطلع به غرفة التجارة الدولية، تتولاه محكمة تحكيم، وتأخذ على عاتقها مسؤولية النظر في القضية، والنطق بالحكم النهائي، وتجري كل سنة تحكيمات غرفة التجارة الدولية في عشرات البلدان بلغات عدة، وبواسطة محكمين، تعود جذورهم لأقاليم العالم كافة، ويخضع نشاط هذه المحاكم التحكيمية لرقابة هيئة التحكيم الدولية التي تجتمع كل أسبوع على مدار السنة، وتتألف هيئة التحكيم الدولية حالياً من أعضاء ينتمون إلى ما يزيد عن 80 دولة، وتضطلع بتنظيم وإدارة التحكيمات التي تجري طبقاً لنظام تحكيم غرفة التجارة الدولية، وتتابع الهيئة باهتمام ما يستحدث في العالم في شأن قانون التحكيم وممارسته بهدف تطوير طرق عملها ملبية بذلك حاجة الأطراف والمحكمين، ويوجد لهيئة التحكيم الدولية أمانة عامة، مقرها غرفة التجارة الدولية بباريس.

وعلى الرغم من أن نظام تحكيم غرفة التجارة الدولية قد وضع ليطبّق على تحكيمات تعقد في سياق دولي، إلا أنه من الممكن الاستعانة به في قضايا لا تتمتع بأي طابع دولي.

فالتحكيم هو من الأساليب الاتفاقية القانونية لحل النزاعات بدلاً من القضاء، سواء أكانت الجهة التي ستتولى إجراءات التحكيم بمقتضى اتفاق الطرفين منظمة أم مركزاً دائماً للتحكيم، أم لا تكون كذلك، وهذا ما حددته المادة الأولى من القانون رقم 4 للعام 2008 الخاص بالتحكيم في النزاعات المدنية والاقتصادية والتجارية الصادر من السيد رئيس الجمهورية بعد ما أقره مجلس الشعب بتاريخ 17/3/2008 والذي نص في مواده على أحكام عامة خاصة بالتحكيم وشروطه، وقوته التنفيذية، وأثره على الأطراف، والذي أقر إحداث مراكز للتحكيم.