ثقافةصحيفة البعث

أســـامة غنـــم.. خطـــوة ناقصــة خلــف “شـــيبارد”

 

العمل الذي يعرض على خشبة مسرح القباني هذه الأيام بعنوان “دراما” إخراج د. “أسامة غنم” يشكل فرصة للاقتراب من تجربة الكاتب “سام شيبارد” وهو صاحب النص المسرحي “الغرب الحقيقي”، الذي اقتبس عنه نص العرض الذي هو موضوع هذا المقال.
النجم السينمائي والكاتب المسرحي “شيبارد”-1943-2017، كانت له دوافعه الثقافية وتصوراته الفنية، عندما قرر أن يكتب، نصا مسرحيا، لأنه حسب قوله:”هناك شح في المسرح الأمريكي” وذلك كان دافعا مهما عند الكاتب، سوف يشرحه أكثر في مناسبات أخرى.
طبعا قد لا نتفق مع “شيبارد” فيما ذهب إليه، فلا يمكن وصف مسرح لديه –ميلر-وليمز-ألبي، بالشح، ولكن ما دفعه ربما لذلك الشعور، هو ولعه بالكاتب الأيرلندي “صموئيل بيكت “،وقراءاته المعمقة له، لاحقا سوف يضيف شيبارد في حوار أجرته معه صحيفة “أوبزرفر” دافعا آخر لكتابته المسرح غير شعوره بشح المسرح عندهم، وهو دافع ثقافي عام، يقول في حواره ذاك: “الأمريكيون تراجعوا في تأثيرهم الثقافي، كما أن الحلم الأمريكي يحتضر” وفي توصيف أدق للمشكلة، يقول أيضا: “الكتّاب لدينا، لا يمكنهم رؤية ما وراء غرفة الفندق والطريق السريع” وذلك في انتقاد لاذع لوضع الكتابة في بلده، إن الكلام السابق عن تصورات “شيبارد” بخصوص وضع الكتابة المسرحية والوضع الثقافي في مجتمعه، سوف يكون حاضرا بقوة في نصه المسرحي “الغرب الحقيقي”، والذي يعتبر النص الأكثر تعبيرا، عن موقف الكاتب من قضايا مجتمعه الفكرية والفنية.
أحداث المسرحية في النص الأصلي تدور في ضواحي “كاليفورنيا”، وتتناول صراع، بين اخوين أحدهما كاتب سيناريو، والثاني لص نزق، يعيش أغلب وقته، في صحاري “موغافي”، وهنا تبرز ازدواجية الشخصية الإنسانية، وميولها نحو المنافسة والعنف، مع مشاكل الروابط العائلية، فالأم في رحلة إلى ألاسكا، شأنها في ذلك، شان نسوة ذلك الزمن المشغولات باللهو، الابن “اوستن” عاكف على كتابة سيناريو فيلم، فيأتي أخوه “لي”، غير المتعلم، وقد وصل بهدف سرقة الأجهزة المنزلية، من بيوت الجيران، هنا الكاتب يجمع بين شخصية المثقف المتحضر، الذي يستحضر الضواحي الحديثة التي قامت على تخوم الغرب القديم المتوحش؛ الأخير يستحضره الأخ اللص، مدمن التجوال والعيش في الصحاري.
الأخ السيناريست المتحضر، يطلب من أخيه الذي يعيش على الترحال والسطو، أن يغادر المنزل، عندما يأتي منتج الأفلام، -الرجل-لمناقشة السيناريو، أي أن الكاتب الأصلي يعني: المثقف الأمريكي يتنكر لماضيه، عندما يتعلق الأمر بالبزنس الثقافي، لكن ذلك الماضي يعود في لحظة غير متوقعة ومحرجة، إذاً يدخل الأخ حاملا جهاز تلفزيون سرقه للتو، التلفزيون هنا يشير إلى طبيعة الثقافة التي باتت سائدة، فيطلب الأخ اللص من المُنتج بعد أن يتعارفا، أن ينازله في لعبة غولف، بشرط أنه إذا خسر المُنتج، فسيترتب على الأخير، أن يتبنى فكرة سيناريو من “لي” بدلا من سيناريو أخيه الذي يقوم بكتابته، وفعلا يطلب المنتج من “أوستن” أن يفعل ذلك، ثم يبدأ “أوستن” بالسخرية من “لي” بأنه لا يستطيع كتابة سيناريو، فيبادله السخرية بقوله له “وأنت أيضا لا تستطيع سرقة مكنسة كهربائية”!، الحوار بين الأخوين يتطور إلى الشك، في أن المُنتج ربما، يعتقد أنهما شخص واحد؛ وذلك في إشارة إلى أن القائمين على صناعة الأفلام، لا يميزون بين غرب متحضر وغرب متوحش، ثم يبدأ كل أخ بالتحول إلى الآخر، “أوستن” يطلب من أخيه تلبية حاجته للعيش في البراري، فيوافق “لي” بشرط أن يساعده “أوستن” بكتابة السيناريو، ثم يبدأ الأخوان الكتابة بنشاط وبعدها تأتي الأم، فيخبرها أوستن برغبته في الذهاب إلى البراري، ورفض الأخ الأكبر لذلك، الأمر الذي يدفع “أوستن” لمحاولة خنقه بسلك الهاتف “هنا يمكن إضافة الهاتف كأداة للقتل، إلى التلفزيون كغرض للسرقة، في دلالة بسيطة من الكاتب، على طبيعة العصر” فماذا تفعل الأم حيال هذا؟ تغادر للإقامة في فندق؛ الأمهات اللاتي يعدن من السياحة، يكملن طريقهن إلى فندق، في الوقت الذي يتصارع فيه الأبناء!؛ ذاك ما كان في النص الأصلي، إضافة إلى دوافع كتابته، فماذا إذا عن الكارثة “الدرامتورجيّة” التي تقترف الآن، هناك في احد الأزقة المتفرع عن شارع “29 أيار”؟.
الكارثة ذات بعدين؛ الأول متعلق بتجربة مختبر “دمشق” المسرحي، وعدم فهم مرامي أبعاد النص الأصلي، الذي يتناول أساسا فكرة “الأصالة”، أما البعد الثاني فهو “الدراماتورجي”، وكيف تم تحطيم الشخصيات والظروف والمقولة، بهدف الوصول إلى لا شيء.
فيما يتعلق بالبعد الأول: سام شيبارد”كتب النص احتجاجا، ولكي يعبر عن الشح لدى كتّاب المسرح في بلاده، وها هو مختبر “دمشق” المسرحي، يشتغل على نص مستورد من بيئة غريبة، من الطرف الثاني للكرة الأرضية، ولكن ليقول ماذا؟ لا نعلم!.شيبارد شعر بـ “الشح” أمام نصوص الأيرلندي “صموئيل بيكيت”، المكتوبة بلغته نفسها، ذلك مالم ينتبه له جماعة استيراد القصص، فلم يشعروا بأي مشكلة، باستيراد نص من بيئة ولغة أخرى، وذلك يعني أن القائمين على عملية الاستيراد، قاموا بترديد كلمات أغنية لا يدركون معناها.
أما البعد الثاني، أو الدراماتورجي: لقد كانت الأم في النص الأصلي في ألاسكا لأسباب معلومة، أما الأم هنا ففي مصر لأسباب غير منطقية وغير ذات صلة بالفكرة، السيناريست الأصلي يكتب في بيت والدته، الذي من الطبيعي أن يقيم فيه، أما الكاتب هنا فلدينا (أدم-جان دحدوح) مقيم في بيروت، أتى إلى دمشق، ليعيش عزلة الكتابة، دمشق التي تعيش حربا للسنة الثامنة، أصبحت هادئة وملائمة لعزلة الكتابة، تلك أول ثغرة دراماتورجية، الثغرة الثانية تتمثل في غياب أي مبرر لعودة أي من الشخصيات الثلاث – الأم والولدين- إلى المنزل، في النص الأصلي الكاتب موجود بطبيعة الحال، هنا يعود للبحث عن الهدوء، أين؟ في دمشق 2018، في النص الأصلي يعود الأخ اللص، لأنه عادة يتردد إلى منزل الأم، وقد أتى لسرقة أغراض الجيران، أما الآن فلا نعلم لماذا يعود الأخ، فوفق فرضية مسرحية “دراما”، سرقة أثاث البيوت في الحرب، تتم من منازل الجيران، وهي في الواقع تحدث في أماكن بعيدة، أما في النص الأصلي الكاتب يقصد بالتلفزيون، الذي سرقه الأخ، تأثير وسائل الإعلام على الأصالة.
الثغرة الدارماتورجية الثالثة تكمن في تحويل شخصية المنتج الرجل، إلى الفتاة، وذلك للحصول على بعض التشويق الرومانسي، والمتمثل في قبلة هنا، أو عبارة سوقية هناك، مثل أن يقول (مهيار-إيهاب شعبان) النسخة المشوّهة عن “لي”، إلى أخيه النسخة المشوهة أيضا عن “أوستن” بدي أعطيها السيناريو” وهو يصنع بيده حركة ذات دلاله مختلفة.
من الطبيعي أن تندمج ثغرات الدراماتورجيا، بثغرات السينوغرافيا، فالديكور، أتى تجريدياً، مع أن النص واقعي، والأداء أتى باهتا، أقرب إلى مسرحية إذاعية نسمعها على الراديو، لشخصيات معدومة الطاقة ومبررات الحركة.

تمّام علي بركات