الحلم الصناعي!
لم ينقطع الحوار حول إصلاح القطاع العام الصناعي بين العديد من الجهات التي جاهرت بقدرتها على تصحيح مسار العمل وتحقيق التغيير الإيجابي الذي وللأسف بقي مجرد عنوان لحالة غير موجودة على أرض الواقع، خاصة مع إخفاق جميع اللجان المشكلة لهذه الغاية والتي راوحت على خط البداية والتشخيص من دون أن تستطيع الإقلاع بما يتمخض عنها إلى ساحة التنفيذ والتطبيق، أو الوصول إلى صيغة نهائية لماهية التطوير المطلوب، بل على النقيض بقي الدوران في حلقات مكررة من التنظير والنفخ في القرب المقطوعة كما يقولون هو المسيطر في هذا القطاع.
وما يثير القلق أكثر أن وزارة الصناعة ابتعدت وتبتعد اليوم أكثر فأكثر عن هدفها؛ وما يدل على ذلك عدم امتلاكها رؤية واضحة لتطوير القطاع العام الصناعي، وتكرار تلك الجمل القصيرة التي رددها جميع الوزراء الذين تناوبوا على قيادة الدفة الصناعية وفشلوا في تجاوز المشكلات التي يعاد طرحها، كضعف الإنتاجية، والعمالة الفائضة، ونقص الكوادر الخبيرة، وعدم جودة المنتجات، أي بالمحصلة النهائية إنتاجية بدرجة الصفر.
وطبعاً هذه النتيجة ليست وليدة المرحلة الحالية، بل لها جذور في الماضي عندما أغرى القطاع العام الصناعي “وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها ” الكثير من الحالمين بالثروة، وفتح شهية بعض من هم في مواقع المسؤولية حتى غدا رغم مساهماته ودوره الإيجابي في الجانب الاجتماعي الاقتصادي التنموي من أكثر القطاعات التي عشش الخلل في عمل مجالس إداراته التي انتهكت بشكل متعمد منظومته الإدارية الإصلاحية.
وعلى الرغم من الإجراءات والقرارات المتخذة سواء من وزارة الصناعة أم من النقابات العمالية وغيرها من الجهات لإصلاح هذا القطاع، فإنه مازال يعيش حالة من التخبط والفوضى سواء كان ذلك نتيجة الأزمة وتداعياتها أم لآليات العمل فيه والقوانين الناظمة له من جهة، ولكثرة التدخلات المسؤولة وتشعباتها النفعية التي على ما يبدو تحاول الآن جعل الشركات العامة لقمة سائغة في سوق التشاركية بعيوبها المختلفة الاستثمارية والربحية، ولكن ليس لأصحاب الدخل المحدود بل للسلطات غير المرئية التي استغلت الإدارات لنهب الشركات العامة.
ما نود قوله للمعنيين في وزارة الصناعة أن الاستمرار في اللهاث وراء الأحلام الصناعية الكبيرة والتمسك بوهم الإصلاح الشامل وتجاهل الحلول الجزئية يزيد من تدهور الواقع الصناعي، ويفتح الأبواب أمام تلك الخيارات التي تدفع باتجاه خصخصته أو استثماره، أو تصفيته، أو تخسيره، أو تأجيره بطريقة مريبة، وتهدف بشكل مقصود أو غير مقصود إلى إفشال أي مبادرة إنتاجية، وشرعنة ما يسمى (قرار الرحمة) بحق الكثير من الشركات العامة وبشكل يغلق الباب أمام نجاح أي لجنة لإصلاحه.
بشير فرزان