القانـــــون في قفص الاتهام؟!!
لا تبدو المؤشرات مبشّرة فيما يتعلّق باستدراك ثلاثة قوانين تشكل ثلاثية خلل مؤثّرة بعمق في بنية مؤسساتنا وحياتنا العامة، بل ربما باتت علامات فارقة في دائرة الارتكاس التنفيذي، والتي يمكن رصد ملامحها الجليّة على نطاق واسع في أروقة الجهات العامة والشارع على حدّ سواء، ولعلّه من المتاح لنا – توصيفاً – أن نختصرها بكلمة واحدة.. الفساد ذلك المصطلح البغيض الذي بالغنا في استعراض نيات مكافحة نتائجه وتناسينا أسبابه ومقدماته!!.
أول القوانين الثلاثة.. القانون 51 الشهير بـ “نظام العقود”.. وثانيها القانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم 50، وثالثها قانون التجارة الداخلية وحماية المستهلك ذو الرقم 14، وكلّها خضعت لمزاعم تغيير أو تعديل، تعززت بتسريبات تتحدث عن لمسات أخيرة، وبعضهم سرّب نسخاً عن مسودات جاهزة، أحدث القصور والارتباك الواضح فيها ردود أفعال سلبية، أدت إلى سحبها من التداول ليعود الصمت التام بشأنه أكثر ريبة وإثارة للتوجس.
والواقع أن الهواجس التي ينتجها هذا التأخير باتت مشروعة تماماً، بما أننا جميعاً متوافقون على أن معالجة “ثلاثية” مسببات الفساد هذه باتت ضرورة ملحّة.
فقانون العقود مسؤول عن كل أشكال التلاعب التي تجري عبر مسارات إنفاق أكثر من 2 تريليون ليرة سورية سنوياً في سياق الموازنة العامة للدولة، وقانون العاملين يشكل أسّ الخلل الذي يعتري تنظيم الموارد البشرية والإدارة العامة في القطاع الحكومي، وبالتالي هو السبب رقم واحد للفساد الإداري، والمعوق الأعند لمساعي الإصلاح الجارية حالياً في إطار مشروع وطني متكامل، يجب أن ينجح لأنه مصيري بامتياز، أما قانون حماية المستهلك، فهو البوابة الواسعة والمُشرعة على مصراعيها لفلتان الأسواق، وتكبيل الوزارة المختصة إزاء إحداث أي تأثير حقيقي في الأسواق، وإفراد المظلة الواقية المفترضة فوق المستهلك.
وبما أن القناعة بتعديل هذه الحزمة المرتبكة من القوانين قد تبلورت لدى الإدارة الحكومية، كما لدى المتابعين والخبراء في المجالين التنفيذي والأكاديمي، يمسي التساؤل واجباً عن أسباب التأخير في ظهور “الدخان الأبيض”، لأن التأخير بحدّ ذاته – تقريباً – فساد، لجهة ترك الذرائع وإطلاق المسببات؟؟.
وتخميناً تبدو الأسباب محصورة في إطار خيارات ثلاثة.. إما غياب الإرادة الحقيقية للاستدراك، وكل ما قيل كان تسويفاً وهروباً نحو المستقبل، وهذا احتمال خطير إلا أنه ضعيف، وإما أننا نفتقر في مؤسساتنا إلى الخبرات القادرة على إنجاز التعديل المطلوب، وهذه مشكلة كبيرة وصفعة موجعة، وقد كانت النسخة المسرّبة عن مسودة تعديل القانون الأساسي محبطة فعلاً، وإما أن ثمة تياراً قوياً يعطّل تعديل بعض القوانين للإبقاء على مقومات بيئة الفساد الخصبة، وهنا نكون وجاهياً أمام أصعب معضلة يمكن أن تواجهنا.
الوقت يمرّ سريعاً، ومعه تتسارع دوامة الهدر والفساد والترهّل، وتتزايد مسارات وخواصر نزيف الموارد وتردّي الأداء التنموي، خصوصاً وأننا ندّعي الاستعداد لمرحلة إعادة إعمار بلدنا، التي كلّفتنا فاتورة الحفاظ على سيادتها الغالي والنفيس، وعلينا ألّا نزيد العبء بالإبقاء على فاتورة الفساد قائمة في دفاتر حسابات سورية ما بعد الأزمة كعنوان نبدو شغوفين به كثيراً هذه الأيام.
ناظم عيد