ثقافةصحيفة البعث

دلالات وتورية وترميز وبداية قوية لأفلام سينما الشباب

إسقاطات ودلالات رمزية تعبيرية وإيمائية توحي ببداية قوية للأفلام المشاركة بمهرجان سينما الشباب الخامس، ويبدو منذ العروض الأولى التطور من حيث الاعتماد على الترميز والمكان والابتعاد عن الفنية المباشرة، لاسيما أن بعض الأفلام قُدمت من قبل حاصلين على شهادة الدبلوم السينمائي، ليبقى موضوع الإرهاب هو القاسم المشترك رغم تباين الأساليب الفنية المتبعة.

الأمر اللافت اعتماد المخرجين الشباب على الموسيقا كأحد الأبطال وليس كمؤثر فني، وعلى الفنون الإيمائية في مواضع، مما يؤكد على المنهجية الفكرية السينمائية الشبابية التي اتخذت أبعاداً فنية وسردية مركبة، لاسيما بالدمج بين الأزمنة رغم تكثيف الحدث، وبالنهايات المفتوحة.

آلام الفقد وشموع الأمل

فيلم روح للمخرجة ريم عبد العزيز- سيناريو زكي مارديني- استحوذ على إعجاب الحاضرين، كونه فيلماً صامتاً  بُني على حالة درامية لآلام الفقد بطريقة مختلفة، إذ اعتمدت المخرجة على الرمزية والإيحاءات رغم المباشرة في المكان الركيزة الأولى والذي يظهر أنقاض البناء في شارع مهدم، فكانت عجلة العربة الحديدية التي احتمى بها الممثل مالك محمد من طلقات الرصاص تومئ إلى دوران السنوات والأيام في ظل الحرب، في حين كانت اللعبة والصورة والشال هي الدلالات لفقد الأولاد والزوجة- الفنانة سمر عبد العزيز، هذه العناصر التي استخدمتها المخرجة كأداة أساسية لإيصال رسالتها الموجعة، ولكن الشموع التي وظّفتها أيضاً برمزية وشفافية لامست القهر الإنساني كانت مفتاحاً لإشراك المتلقي بالنهاية المفتوحة، حينما يستلقي الأب بين قبري أولاده وزوجته وتحاط به الشموع  بدلالة إلى استمرار الحياة  وإشراق يوم جديد.

قلب الحقائق

ومن زاوية ثانية نقرأ الإرهاب بصورة مختلفة في فيلم أين زهرة؟ سيناريو وإخراج إسماعيل ديركي والذي اعتمد فيه على غرائبية المكان الذي يدل على ورشة إصلاح سيارات منعزلة، ليكون الهاتف هو البطل الذي يشير إلى التحكم بالأشخاص من قبل جهات خارجية، وقد اعتمد ديركي على الفصول المتصلة مركزاً على العناوين، وكل فصل يوحي بدلالة إلى شيء ما رغم الغموض الذي يهيمن على الفيلم، لاسيما أن السياق الدرامي للفيلم يمضي من خلال المراقبة الكلية للمكان وتدل على ذلك تغيّرات الوقت على الشاشة، والكاميرا الصغيرة المستخدمة بالتسجيل لزوجة خالد السرية، رسالة الفيلم الغامض والذي يدل على تطور بالسردية السينمائية رغم اللقطات الطويلة والمتكررة والتي كان من الممكن اختصارها، تتضح في المشهد الأخير حينما تغيّر الزوجة أقوالها وتعترف بأنها من بنات الليل وأنها احتفظت بزهرة، بينما في الحقيقة الأب خطف زهرة وهرب إلى ألمانيا، لتبقى زهرة جزء من أطفال سورية.

ونبقى أيضاً ضمن رموز الإرهاب لكن بفنية مختلفة وأقرب إلى المباشرة في فيلم”رسالة غير كافية” لزكي ومجد شيباني، ليحكي الفيلم عن الاستعداد لتنفيذ عملية تفجير في الأوبرا إشارة إلى دور الثقافة التي وقفت في وجه الإرهاب، إلا أن الفيلم يعود إلى الزمن الماضي والبحث عن دواخل الإرهابي الذي يريد تفجير نفسه والدوافع التي دفعته إلى ذلك، والمفاجأة بالنهاية المفتوحة أيضاً حينما يبلغ الإرهابي بإلغاء العملية وضرورة مغادرة الأوبرا إلا أنه يرمي بغضب جهاز التحكم مما يشرك المشاهد برسم النهاية هل فكر بالتنفيذ أم بالعودة إلى الصواب.

الفيلم الذي جمع بين القسوة والحنين والتشتت والضياع والحلم هو فيلم ليل الغريب للمخرج مالك محمد المقتبس عن نصّ فانكانا لتشيخوف، والذي  بُني على إسقاط مباشر على واقع الحرب السورية من خلال حكاية الصغير”سوار” الذي جسد دوره الطفل ربيع جان ببراعة لافتة، وركز فيه المخرج على ومضات إخراجية موحية لاسيما في الجدران الحجرية الخارجية للمنزل، و”اللمبة” في غرفة سوار التي تنطفئ فجأة لتضيء من جديد وهو يكتب الرسالة التي وظّفها المخرج، لتكون صلة الوصل بين الأجيال بين سورية والبعيدين ليبقى العنوان” بابا- الشام”، اعتمد المخرج على موسيقا البزق لتأخذ موضع الحوار في مواضع، ليعاني الطفل سوار من قسوة صاحب الورشة ويقص على المشاهدين قصته من خلال كتابة رسالة إلى أبيه لكنه لايستطيع إرسالها لأن صاحب الورشة كشف نيته بالهرب، فأخذ حذاءَه وبقي حافي القدمين. الإسقاط المباشر بالفيلم هو قصة هروب أفراد عائلة فيضيع الطفل فلا يعرف العودة، يتسول إلى أن يجده صاحب الورشة، لتظهر رسالة الفيلم بالعودة إلى سورية إلى الحضن الدافئ إلى الأمان إلى الأب الذي يرمز إلى كل هذه الأشياء حينما يتمكن سوار من إيصال الرسالة إلى صندوق البريد بعد أن يصنع من غطاء الوسائد حذاء له.

سوار جيرار مع التشكيلية سناء الأتاسي قدمتا فيلماً مختلفاً مشغولاً بعناية من حيث الاهتمام بالصورة الفنية المقترنة بدلالات اللوحات التشكيلية للمخرجة للهياكل النسائية وإلى الرقص التعبيري ضمن إطار المنزل الجميل المحاط بالبحرة والياسمين، وعبْر الفيلم الصامت يمضي المخرج بزمنين بحكاية المخرجة -رنا ريشة- التي تصوّر فيلماً إلا أن الشبح الأسود يختطف في كل ومضة أحداً لتبقى وحيدة ويطفأ الضوء. تناول الفيلم برمزية قصة الزمن لحكاية مخرجة تعيش في واقعها حالة عزلة بعد زمنها الماضي الحافل بالأحداث، وبتورية تركز المخرجة على لقطة ملف السيناريو الأخير واسم الناقد السينمائي فاضل الكواكبي إيماءة إلى  الحرب السورية التي كانت تحصد كل يوم حياة الأبرياء.

فيلم طاحونة الهوا لسنان درويش كان الأكثر تعبيرية عن الحياة والموت ومواجهة الحرب في موت شابة في حديقة المتحف الوطني، كانت تحمل الخبز إشارة إلى الحياة والحب والإرادة ليغطي أحد المارة جسدها بأرغفة الخبز، بدلالة رمزية إلى التضاد بين الموت والحياة.

ملده شويكاني