الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

د. فــــخ

عبد الكريم النّاعم

قرّاءنا المحترمين، منذ البداية أشير إلى أنّ ( د.) تعرفون دلالتها، أمّا ( فخ) فلا علاقة لها بالـ (فخّ) الذي كنّا في طفولتنا نصطاد به الطيور، بل ربّما كان (فخّاً) من نوع آخر.

منذ ثمانينيات القرن الماضي عرفنا في سوريّة عدداً من الأسماء التي تعرّفنا عليها، كالآخرين، ولم يكونوا يحملون شهادة (د) التي تسبق لقب دكتور في المتعارف عليه، ومعظم هؤلاء كانوا من أصحاب المواقع في الحزب والدّولة، حتى لكأنّ الموقع الذي هم فيه لا يعبّر عن نزوعاتهم، فشهادة (د) تعبير عن درجة اختصاصيّة في علم من العلوم، وهي شهادة مُعتبَرة في دلالتها وفحواها، لذا لم يشأ البعض أن يكون في مثل ما هو فيه ولا يُسبق اسمه بكلمة (دكتور)، واللافت أنّ معظم هؤلاء، إن لم يكن كلّهم، قد حصلوا على تلك (الدال) من أحد بلدان المنظومة الاشتراكية المأسوف على انهيارها، وأنتم تعلمون أنّ الدكتوراه في العلوم الإنسانيّة الغالبة على الذين حصلوا عليها ممّن عنينا يحتاج لمعرفة لغة البلد المانح، وأنّ عليه أن يمثُل أمام لجنة أكاديميّة محترمة، ويُدافع بتلك اللغة عن أطروحته، والذي أنا متأكّد منه أنّ معظم هؤلاء لم يكونوا يجيدون أيّ لغة أخرى غير لغتهم القوميّة، فكيف حصلوا على تلك الدّرجة الأكاديميّة، ومَن كتب لهم الأطروحة، ومّن دافع عنها فذلك شأن آخر، ولكنّه مثير للعجب، ولما هو وراء العجب.

في تلك الفترة أيضا مَنحت بعض الجهات المخوَّلة- مَن خوّل لها ذلك لا أعرف- شهادة (د) لعدد لا يكاد يُذكر من شعراء هذا البلد، ومنهم مَن لم يكن إبداعه بحاجة لهذه السّنْدة، حتى أنّ أحدهم طبع بطاقات تعريف يضع فيها اللقب الجديد الممنوح له، وثمّة مَن غضب على مقدّم أحد مهرجانات الشعر المرموقة في رابطة الخريجين بحمص لأنّه لم يذكر تلك الدال مقرونة باسمه.

منذ فترة ليست بعيدة انتشرت على مواقع التواصل معلومة تفيد عن اكتشاف أسماء مسبوقة بهذه (الدال)، في مواقع مختلفة، وهم ليسوا من حمَلَتها، وكانت فضيحة، كيف اختفت حتى كأنّها لم تكن، لاأعرف!!

منذ سنوات قليلة أيضا انتشرت مسألة منح شهادات (دكتوراه فخريّة) لأناس على علاقة بالأدب، وبعضهم ممّن يَحْبون حول تلك السّفوح حَبْواً!، ويا..” بنت قولي لأمّك”.

هنا لابدّ من ذكر الموقف الرّافض للأديب حسن إبراهيم سمعون، مؤسّس، ومُتابع، وناشر “الديوان السوري المفتوح” على نفقته، أذكره لعمق الوعي، ولتعاليه على هذه الصيغة التي ابتُذلت، كما أشيد بموقف الصديق النّزق الأديب والصحافي ديب علي حسن، الذي كان من أوائل من بكّر في الإضاءة على هذه الظاهرة.

بعض مَن نعرف، ومَن لا نعرف، من الطّامحين إلى نيل (د. فخ)، أي دكتوراه فخريّة لا يغرّنكم ذلك فالذي لا يضعه إبداعه في المرتبة المرموقة المميّزة، لا تستطيع كلّ شهادات الـ (د.فخ) منحه لمعة صغيرة من لوامع الإبداع، وأتمنّى على حملة الـ (د.فخ) أن يضعوها أمام أسمائهم لنميّز بين الأصيل وغير الأصيل.

aaalnaem@gmail.com